للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: لا تفسد على معاوية رأيه، ولا تمقِّت إليه ابنه، وألقى أنا يزيد سرا من معاوية فأخبره عنك أن أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في بيعته، وأنك تخوف خلاف الناس لهنات ينقمونها عليه، وأنك ترى له ترك ما ينقم عليه، فيستحكم لأمير المؤمنين الحجة على الناس، ويسهل لك ما تريد، فتكون قد نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين، فسلمت مما تخاف من علاقة أمر الأمة.

فقال زياد: لقد رميت الأمر بحجره، اشخص على بركة الله، فإن أصبت فما لا ينكر، وإن يكن خطأ فغير مستغش وأبعد بك إن شاء الله من الخطإ، قال: تقول بما ترى، ويقضي الله بغيب ما يعلم فقدم على يزيد فذاكره ذلك وكتب زياد إلى معاوية يأمره بالتؤده، وألا يعجل، فقبل ذلك معاوية، وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع، ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة» (١).

بيَّنت هذه الرواية حذر معاوية من هذه الخطوة، وتخوفه من ردود أفعال الناس، كما بيَّنت أنه أخذ بنصيحة زياد، وتأنَّى في الأمر، وأعاد التفكير في كرَّة أخرى، ولعله لذلك أخَّره بعض الشيء.

لكن ما الذي جعل معاوية يؤخر هذا الأمر إلى سنة ست وخمسين، مع أن الحسن تُوفي قبل ذلك بخمس سنين -كما تقدَّم-؟!

لقد تُوفي في العام الذي قبل هذا سعد بن أبي وقاص (٢)، وبهذا لم يعد هناك أحد من العشرة المبشرين، ممن لا يستطيع معاوية أن يُقدِّم أحدا عليهم.


(١) إسناده صحيح إلى مسلمة: أخرجه الطبري في تاريخه (٥/ ٣٠٢ - ٣٠٣)، ويبقى أن مسلمة نفسه ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (٧/ ٣٨٧)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (٨/ ٢٦٦)، ولم يذكرا فيه شيئا!
(٢) قال الذهبي في تاريخ الإسلام (٤/ ١٥٩): "فيها -أي: سنة خمس وخمسين- توفي سعد بن أبي وقاص، على الأصح".

<<  <   >  >>