للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على كل حال، وإن كان القول الأخير أصح سندا من الأول، فمآل الروايتين واحد في النهاية، والأمر في ذلك يسير، فالاتفاق على أن المعترضين من الصحابة خرجوا من المدينة قبل قدوم معاوية، وأنه قدم الحجاز للقائهم، وقد تمَّ له ذلك في مكة -كما سيأتي-.

ولما وصل معاوية - رضي الله عنه - المدينة، لم يجد أحدا من المعترضين على بيعة يزيد، فخطب الناس، وأخذ منهم البيعة، ولم يعترض أحدٌ من الحاضرين على ذلك، أو بتعبير أدق: لم يُظهر أحد اعتراضا على بيعة يزيد، وإن كان من بين الصحابة من كان معترضا، إلا أنه جعل اعتراضه في نفسه، وسكت خشية فرقة الناس، وإثارة الفتنة.

فعن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: «دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١) حين استخلف يزيد بن معاوية، فقال: أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه فيها فقها، ولا أعظمها فيها شرفا؟ قلنا: نعم، قال: وأنا أقول ذلك، ولكن والله لئن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق، أرأيتم بابا لو دخل فيه أمة محمد وسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قلنا: لا، قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم، قال: فذلك ما أقول لكم، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يأتيك من الحياء إلا خير» (٢).

ولما تم لمعاوية الأمر في المدينة؛ توجَّه إلى مكة.


(١) ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام (٤/ ١٦٩) أن اسمه بشير.
(٢) إسناده صحيح: أخرجه خليفة بن خياط في تاريخه (ص: ٢١٧).

<<  <   >  >>