للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحن حينما نورد هذه الاعتراضات، فربما حصل ما أشرنا إليه، وربما حدث العكس من ذلك، ولكنا أوردنا ذلك حتى نتصور مدى عدم صحة الآراء التي أحياناً يطلقها ويتحمس لها البعض دون الرجوع إلى الواقع التاريخي المحتم آنذاك.

لقد تعرض المجتمع المسلم إلى هزة عنيفة بعد استشهاد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وترك كيانات وتيارات سياسية وعقائدية خطيرة، استوجبت من معاوية أن يدرك خطورة الأمر والفرقة التي سوف تحصل للمسلمين إذا لم يسارع بتعيين ولي عهد له.

ويبقى الأمر الثالث: وهو ما فعله معاوية - رضي الله عنه - بتولية يزيد وليَّاً للعهد من بعده، وقد اعترف بمزايا خطوة معاوية هذه، كل من ابن العربي (١)، وابن خلدون الذي كان أقواهما حجة، إذا يقول: «والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه» (٢). (٣)

لكن: لعله كان من الأولى أن يجعل ذلك العهد في أحد غير ولده، تتفق عليه كلمة المسلمين، ولا يشوبه شبهة توريث الحكم.

يقول د. علي الصلَّابي: «فمعاوية - رضي الله عنه - اجتهد، ولم يكن مصيباً في تولية يزيد لولاية العهد، فقد كان بوسعه وقدراته السياسة الفائقة أن يطمئن في حياته على اجتماع كلمة المسلمين في أمر الخلافة من بعده، باختيار واحد من قريش يشهد له الناس بحسن السيرة أكثر من يزيد ابنه، ويجتمع عليه أعيان المجتمع الإسلامي في الشام، والعراق، وبلاد الحجاز، وغيرها» (٤).


(١) العواصم من القواصم (ص: ٢٢٢ - ٢٢٤).
(٢) تاريخ ابن خلدون (١/ ٢٦٣).
(٣) معاوية بن أبي سفيان، كشف شبهات ورد مفتريات (ص: ٢٢٠ - ٢٢٢).
(٤) معاوية بن أبي سفيان (ص: ٤٨٢ - ٤٨٣).

<<  <   >  >>