يقول المعلمي اليماني:«أما الصحابة - رضي الله عنهم -: ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميراً على الشام، وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة، منهم كثير ممن أسلم يوم فتح مكة أوبعده، وفيهم جماعة من الأعراب، وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة، فلو كان ثم مساغ لأن يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد لقيه وسمع منه مسلماً؛ لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية وجهر بذلك. أما أعيان التابعين: فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة.
فإذا لم يصح خبر واحد: ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية، وأنه لم يكن منهم أحد -مهما خفت منزلته، وقوي الباعث له- محتملاً منه أن يكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأما معاوية فكذلك، فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دام في فضيلة له، وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يجده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك، فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد حدَّث عدد كبير من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بفضائل لأنفسهم، وقبلها منهم الناس، ورووها وصححها أئمة السنة.
ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن يكذب، أو يحمل غيره على الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، مهما اشتدت حاجته إلى ذلك.
ومن تدبَّر هذا: علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية؛ أدلُّ على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث» (١).