للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل الجهنيُّ كلما تنجَّز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات، حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر، دعا معاوية برجل من بني عبس، ثم أحد بني رواحة يُدعى قبيصة، فدفع إليه طوماراً مختوماً، عنوانه: من معاوية إلى علي، فقال: «إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار»، ثم أوصاه بما يقول، وسرَّح رسولَ عليٍّ، وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته، فلما دخلا المدينة رفع العبسيُّ الطومار كما أمره، وخرج الناس ينظرون إليه، فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض، ومضى حتى يدخل على علي، فدفع إليه الطومار، ففض خاتمه فلم يجد في جوفه كتابة، فقال للرسول: «ما وراءك؟» قال: آمِنٌ أنا؟ قال: «نعم، إن الرسل آمنة لا تقتل»، قال: ورائي أني تركت قوماً لا يرضون إلا بالقود، قال: «ممّن؟» قال: من خيط نفسك (١)، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم، قد ألبسوه منبر دمشق، فقال: «مني يطلبون دم عثمان؟! ألست موتوراً كترة عثمان! اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله، فإنه إذا أراد أمراً أصابه، اخرج». قال: وأنا آمن؟ قال: «وأنت آمن». فخرج العبسى (٢).

ولم تتوقف المحاولات من ناحية علي - رضي الله عنه - عند هذا، بل أرسل إلى معاوية من يتمثَّل فيهم الرشد والحكمة، محاولا إيجاد طريق لرأْبِ الصدع، وإنهاء الفتنة.


(١) تقدَّم فيما هو أصح من تلك الرواية أن معاوية كان يطلب أن يُسلم عليٌ إليه القتلة، ولم يطلب القود منه نفسه.
(٢) إسناده ضعيف: أخرجه الطبري في تاريخه (٤/ ٤٤٢) وفي سنده سيف بن عمر التميمي، تقدَّم أنه مع ضعفه فهو عمدة في التاريخ، والراوي عنه: شعيب بن إبراهيم، تقدَّم أن فيه جهالة.

<<  <   >  >>