للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يغيرون لَهُم شرعا وَلَا شعارا فَلَمَّا عرفُوا كسرتهم وَأَنَّهُمْ لَا يرجون جبرهم خَافُوا من مساكنة الْمُسلمين فَتَفَرَّقُوا وكبسهم أهل الضّيَاع فِي الدّور والرباع وغنموا مَا وجدوه من الذَّخَائِر وَالْمَتَاع وأوقعوا بضعفائهم وضايقوا الْحُصُون على أقويائهم وطلبها من السُّلْطَان ابْن أُخْته حسام الدّين عمر بن مُحَمَّد بن لاجين وَهُوَ عَزِيز عِنْد خَاله مَلِيء بفضله وأفضاله فأقطعة السُّلْطَان نابلس وأعمالها وضياعها ونواحيها وقلاعها فَتوجه إِلَيْهَا بعسكره فَأول مَا أَنَاخَ على سبسطية وَبهَا مشْهد زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام قد اتَّخذهُ الأقساء كَنِيسَة مُنْذُ فَارقه الْإِسْلَام وَهُوَ متعبدهم الْمُعظم والمشهد المكرم وَقد حجبوه بالأستار وحلوه بِالْفِضَّةِ والنضار وعينوا لَهُ مواسم الزوار وقومته من الرهابين فِيهِ مُقِيمَة وَلَا يُؤذن فِي الزِّيَارَة إِلَّا لمن مَعَه هَدِيَّة لَهَا قيمَة فدخله وحوى مَا فِيهِ وَأبقى مَا لَا يحسن أَن يَخْلُو من مثله الْمَسْجِد وَفتح للْمُسلمين أبوابه وَأظْهر للمصلين محرابه

ثمَّ سَار إِلَى نابلس فَفَتحهَا بالأمان واستمال من سكانها من صرف عَلَيْهِ الْجِزْيَة بعد زمَان وأجراهم على مَالهم من الْعِمَارَة والبنيان وَبقيت بِيَدِهِ إِلَى آخر عَهده وعمرت بعدله ورفده

قَالَ الْعِمَاد وأنشدته يَوْم فتح الْقُدس قصيدة أَولهَا

(استوحش الْقلب مذ غبتم فَمَا أنسا ... وأظلم الْيَوْم مذ بنتم فَمَا شمسا)

(مَا طبت نفسا وَلَا استحسنت بعدكم ... شَيْئا نفيسا وَلَا استعذبت لي نفسا)

(قلبِي وصبري وغمضي والشباب وَمَا ... ألفتم من نشاطي كُله خلسا)

(وَكَيف يصبح أَو يُمْسِي محبكم ... وشوقكم يَتَوَلَّاهُ صباح مسا)

(عَادَتْ معاهدكم بالجزع دارسة ... وَإِن معهدكم فِي الْقلب مَا درسا)

(وَكنت أحدس مِنْكُم كل داهية ... وَمَا دهانا من الهجران مَا حدسا)

<<  <  ج: ص:  >  >>