للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الله رحلتاه وَفِي سَبِيل الله يوماه وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا أغر محجل وَالْحَمْد لله الَّذِي جعله ذَا يَوْمَيْنِ يَوْم يسفك دم المحابر تَحت قلمه وَيَوْم يسفك دم الْكَافِر تَحت علمه فَفِي الأول يطْلب حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيجْعَل أَثَره عينا لَا تستر وَفِي الثَّانِي يَجْعَل لنصره شَرِيعَته هداه على الضلال فَيجْعَل عينه أثرا لَا يظْهر وَقد اسْتغْرب النَّاس همم الْعلمَاء فِي رحلتهم لنقل الحَدِيث وسماعه والموالاة فِي طلب ثقته وانتجاعه وصنفوا فِي ذَلِك تصانيف قصدُوا بهَا التحريض للهمم والتنبيه وَالرَّفْع من أقدار أَهله والتنويه فَقَالُوا رَحل فلَان لسَمَاع مُسْند فلَان وَسَار زيد إِلَى عَمْرو على بعد الْمَكَان هَذَا وَصَاحب الرحلة قد نصب نَفسه للْعلم وشغل بِهِ دهره ووقف عَلَيْهِ فكره فَلَا تتجاذب عنان همته الْكَبَائِر فَمَا القَوْل فِي ملك خواطره كأبوابه مطروقة وَأُمُور خلق الله كأمور دينه بِهِ معذوقة إِذْ هَاجر إِلَى بَقِيَّة الْخَيْر فِي أضيق أوقاته وَترك للْعلم أَشد ضروراته ووهب لَهُ أَيَّامًا مَعَ أَنه فِي الْغُزَاة يُحَاسب لَهَا نَفسه على لحظاته وساعاته وَمَا يحْسب الْمَمْلُوك أَن كَاتب الْيَمين كتب لملك قطّ رحْلَة فِي طلب الْعلم إِلَّا للرشيد هَارُون رَحْمَة الله عَلَيْهِ على أَنه خلط زِيَارَة نبوية بِطَلَب ورحل بولديه إِلَى مَالك رَحْمَة الله عَلَيْهِ لسَمَاع هَذَا الْمُوَطَّأ الَّذِي اتّفقت الهمتان الرشيدية والناصرية على الرَّغْبَة فِي سَمَاعه والرحلة لانتجاعه

وَقد كَانَ الرشيد سَام مَالِكًا رَحمَه الله أَن يَجْعَل لَهُ ولولديه الْأمين والمأمون مَجْلِسا خَاصّا لإسماع مُصَنفه فَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ إِنَّهَا سنة ابْن عمك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيْرك من سترهَا وَمثلك من نشرها

فَهَذِهِ رحْلَة ثَانِيَة فِي الزَّمَان وَأولى فِي الْإِيمَان يَكْتُبهَا الله للْمولى بقلم كَاتب الْيَمين

<<  <  ج: ص:  >  >>