[وجوب الإحداد على الزوج]
السؤال
لي جدة تُوُفِّى زوجها قريباً, وهي عمرها ما يقارب الستين أو السبعين عاماً، فهل عليها الأربعة الأشهر وعشرة أيام هذه, علماً بأنه انقطع عنها الحيض؟ الشيخ: إي نعم، إذا مات زوج المرأة وجب عليها أن تعتدَّ وتُحِدَّ أربعة أشهر وعشرة أيام, إلا أن تكون حاملاً, فإنها تنتهي عدتها بوضع الحمل, سواء طالت المدة أم قصرت, فإذا توفي الرجل عن امرأة حامل ووضعت بعد يومين أو ثلاثة من موته انتهت عدتها وحدادها, وإن بقيت بعد موته عشرة أشهر أو سنة أو اثنتين، فهي على العدة والحداد.
فالخلاصة: أن الرجل إذا توفي عن زوجته وهي حامل فإنَّها تبقى في العدة والحداد حتى تضع الحمل, وإن لَم تكن حاملاً فعدتُها أربعة أشهر، وعشرة أيام، كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} [البقرة:٢٣٤] وقال في الحوامل: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤] وثبت في السنة من حديث سبيعة الأسلمية أنها توفي عنها زوجها وهي حامل فنفِسَت بعده بليالٍِ فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتزوج.
السائل: لكن -يا شيخ- المرأة هي عجوز.
الشيخ: ولو كانت عجوزاً.
السائل: كبيرة جداً في السن؟ الشيخ: ولو كانت كبيرة جداً, ما دام أن زوجها مات وهي في عصمته فعليها أن تعتَدَّ وتُحِدَّ.
السائل: قال أحد الناس: ليس عليها شيء من يوم أن توفي زوجها، فهل تعتد من يوم أن توفي أو من الآن؟ الشيخ: هذا الذي قال: ليس عليها شيء هو جاهل, وحرام عليه أن يفتي بغير علم, فإن الله يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣] وعجباً من هؤلاء الناس الذين يتسرعون في الفتوى بغير علم! لو أن هذا العلم علم حساب أو علم كيمياء أو علم هندسة لرأيت الناس لا يمكنهم أن يتكلموا فيه بغير علم, فكيف بشريعة الله يتكلمون فيها بغير علم والعياذ بالله؟! مع أن الله قرن القول عليه بغير علم قرنه بالشرك بالله، كما سمعتَ في الآية الكريمة.
فنصيحتي لهذا الأخ ولغيره أن يتقوا الله عز وجل، وألا يقولوا على الله إلا ما يعلمون؛ لأن الله تعالى سائلهم {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:١٤٤].
فهذا الذي قال لك: إن المرأة إذا كانت كبيرة ومات زوجها عنها، فإنها لا تعتَدُّ ولا تحِدُّ قال قولاً لا علم له به, فعليه أن يتوب إلى الله.
وأما بالنسبة للحكم الشرعي في هذا: فإنه يجب عليها أن تعتَدَّ وأن تُحِدَّ, وقد سمعتَ الدليل على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, من حقي عليك أن تبلغ هذا الذي أفتاك بالحق، وأن تحذره من الفتوى بغير علم، وأن تبين له خطرها, والله عز وجل إنما أوجب العدة لحكم عظيمة منها: احترام حق الزوج, وكانوا في الجاهلية تبقى المرأة إذا مات عنها زوجها سنة كاملة في أدنى بيت من البيوت, ولا تتطهر ولا تمس ماءً, ولكن الإسلام والحمد لله جاء بهذه المدة القصيرة أربعة أشهر وعشر مع أن للمرأة أن تتطهر وأن تتنظف ولكنها لا تستعمل الطيب، ولا التحسين بالحناء وغيره, ولا تلبس الحلي, ولا تتجمل بالثياب, ولا تخرج من بيتها, إلا لحاجة في النهار أو ضرورة في الليل.
السائل: يا شيخ! نبدأ من يوم وفاة الرجل في الأربعة أشهر والعشرة أيام، أم من العلم؟ الشيخ: ابتداء العدة من وفاة الرجل.
السائل: لكن المرأة ما فعلت الحداد.
الشيخ: ما علمَتْ بوفاته؟ السائل: علمَتْ بوفاته؛ لكن حسب الفتوى ما اعتدَّت.
الشيخ: حسناً! كم مضى من موته الآن؟ السائل: تقريباً خمسة أيام.
الشيخ: إذاً: بقي عليها أربعة أشهر وخمسة أيام, يعني: تعتَدَّ الآن فيما بقي, وإثم ترك العدة في الخمسة أيام الماضية يكون على هذا الذي أفتاها بغير علم.
السائل: طَيِّبٌ! يا شيخ! إذا جاء رجل وقبلها في رأسها, فهل ينقض العدة؟ الشيخ: لا.
لا ينقض العدة, ولها أن تصافح محارمها, ولها أن تكلم الرجال غير المحارم, أي: هي في كلام الرجال كغيرها.