[الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ينجو بها العبد إذا أخلصها يوم نلاقيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة المسلمون: فإن المؤمن إذا قضى الله ورسوله أمراً، لم يكن له الخيرة من أمر الله ورسوله، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:٣٦].
معنى الآية: أن الله إذا قضى ورسوله أمراً فإن المؤمن لن يختار سوى ما قضى الله ورسوله، فإن اختار سواه فقد عصى الله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:٣٦].
وإنكم سمعتم في الخطبة الأولى شيئاً مما تجب فيه الزكاة، وإنني أقول في هذه الخطبة: إن الزكاة لا تبرأ بها الذمة ولا تكون مقبولة عند الله إلا إذا وضعها الإنسان في مواضعها التي فرض الله أن توضع فيها، واستمعوا إلى هذه المواضع، استمعوا إلى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠] هذه الآية -كما يعرف علماء البلاغة واللغة- جاءت عن طريق الحصر بـ"إنما" وكأنما العبارة: (ما الصدقات إلا للفقراء و) والحصر كما قال العلماء: هو إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه.
فقد حصر الله سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية لا تجزئ في غيرها، فلا يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد، ولا يجوز إخراج الزكاة في إصلاح الطرق، ولا يجوز إخراج الزكاة في بناء المساكن للفقراء، ولا غير ذلك، اللهم إلا فقيراً معيناً تدرس حاله وينظر فيه.
هذه الصدقات للفقراء والمساكين، وضابط هذين الصنفين ألا يكونوا قادرين على نفقاتهم ونفقات عوائلهم لمدة عام كامل، فإذا قدرنا أن شخصاً من الناس له راتب قدره ثلاثة آلاف وعنده عائلة لا يكفيهم في الشهر إلا أربعة آلاف فإننا نعطيه من الزكاة اثني عشر ألفاً لأنه يحتاج كل شهر لسداد نفقته ألفاً، فنعطيه ما يسد نفقته، ولكننا إذا خفنا إذا أعطيناه المبلغ كاملاً أن يفرط فيه ويفسده، فلا بأس أن نقسطه عليه بكل شهر حماية له من الفساد.
وهنا مسألة يجب أنبه عليها وأن تنتبهوا لها: وهي أن بعض الفقراء يريد أن تكون نفقته كنفقة الأغنياء؛ فتجده يريد أن يكمل النقص فينفق من الأطعمة وينفق من الأكسية وينفق من الكماليات ما ينفقه الأغنياء وهو في هذه الحال مسرف والله لا يحب المسرفين، والواجب أن يعرف الإنسان حاله وألا ينفق إلا بقدر ما أعطاه الله عز وجل كما قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:٧].
ومن الأمثال العامية المطابقة للحكمة تماماً: (مد رجلك على قدر لحافك) فلا ينبغي بل ولا يجوز للفقير أن يصرف من النفقات مثلما يصرفه الأغنياء بل يصرف على قدر حاله، ومن يستعفف يعفه الله.
وأما الغارمون: فالغارمون هم الذين عليهم ديون للناس، سواء كانت ثمن مبيع أو أجرة سكن أو غير ذلك، فهؤلاء إذا لم يكن عندهم ما يكفيهم لسداد الديون فلا حرج أن نقضي عنهم الديون من الزكاة، ولكن هل نعطيه هو ليوفي عن نفسه، أو نذهب نحن إلى صاحب الدين ونسدد الدين عمن هو عليه؟ نقول في هذا: ينظر إلى المصلحة؛ فإذا كان المستدين رجلاً حريصاً على إبراء ذمته رشيداً في تصرفه فإننا نعطيه ليوفي حتى لا يكون لنا منة عليه أمام الناس، أما إذا كان رجلاً أخرق سفيهاً لا يبالي باشتغال ذمته بالديون فإننا نذهب إلى صاحب الدين ونسدد الدين عمن هو عليه حتى تبرأ بذلك ذمته، ولا تحقروا شيئاً من المعروف، لا تقولوا: هذا مدين بديون كثيرة وزكاتنا قليلة، فإن الكثير من القليل كثير.
أيها المسلمون: وإن من الحاجة الملحة حاجة الشاب أو غير الشاب إلى الزواج إذا كان ليس عنده ما يعفه وإذا كان ليس قادراً على المهر، فلا حرج أن نعينه من الزكاة في مهره حتى يتزوج؛ لأن الزواج من أهم الأمور، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في قوله: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) فإذا عرفنا أن هذا الرجل محتاج إلى الزواج وليس عنده من المهر ما يكفيه فلا حرج أن نعطيه من الزكاة من أجل استكمال المهر؛ لأن هذه حاجة ملحة.
أيها المسلمون: إن من أدى الزكاة في غير محلها فهو كمن صلى الصلاة في غير وقتها لا تبرأ بها ذمته ولا يسقط عنه الواجب، فعلينا أن نحرص غاية الحرص على وضعها في محلها وألا نحابي بها قريباً ولا صديقاً ولا بعيداً ولا شريفاً ولا أحداً من الناس إلا من كان من أهلها، وإذا اجتمع عندنا رجلان كلاهما مستحق ولكن أحدهما قريب فإن القريب أولى؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، ولكن إذا كان القريب ممن تجب نفقته عليك وكان مالك يتحمل الإنفاق عليه فإنه لا يجوز أن تعطيه للإنفاق من زكاتك، لأنك إذا أعطيته ذلك فإنك بهذا تحمي مالك من النفقة.
أما قضاء الدين عن المدين الذي لا يستطيع وفاءه وهو من قرابتك فلا بأس أن تقضيه من زكاتك ولو كان ابنك أو أباك أو أخاك؛ لأن الدين لا يجب على الإنسان قضاءه ولو كان على أبيه أو ابنه أو أخيه، فإذا سدده من زكاته فلا حرج عليه ولكن بشرط ألا يكون عنده ما يوفي به.
فاعلموا -أيها المسلمون- حدود الله، واتبعوا ما أوجب الله عليكم، وتجنبوا ما حرم الله عليكم لعلكم تفلحون قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:١٣٢].
اللهم إنا نسألك أن ترحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا ذا الجلال والإكرام! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان على من ناوءهم وعلى من عاداهم، وعلى من قام ضد حركاتهم يا رب العالمين! اللهم ومن قام ضد الحركات الإسلامية المبنية على كتاب الله وسنة رسوله اللهم فاخذله وأسقطه وأذله يا رب العالمين! إنك جواد كريم.
اللهم انصر من قام بالإسلام على من خالفه، اللهم انصر من قام بالإسلام على من خالفه في أي مكان يا رب العالمين!