للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكتب إلى عثمان يخبره بذلك، فأرسل إليه بأشخاصهم إليه، فأخرجهم


=
يكون مصدقًا عليكم، فأكدوا له أنهم سالكون طريق الحق والمصلحة، وإن ما بلغه دسائس ووساوس تبث سرًّا، واقترح بعضهم تعقب المذيعين، وقتلهم، فأمرهم بالانتباه والرفق والتسامح فيما لا يكون فيه ضياع حقوق الأمة، ومن الولاة معاوية بن أبي سفيان "عن الجنس العربي: ٢٣٢/٧" وقد نقله عن الطبري، وذكر المؤرخون أن عثمان جمع بعض خاصته، فشاورهم في أمر الناس، سمع منهم ثم قال لهم:
لقد سمعت كل ما أشرتم به، ولكل أمر باب يؤتى منه. إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن. وإن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن، فنكفكفه باللين والمواتاة إلا في حدود الله، فإن فتح فلا يكونن لأحد علي حجة، وقد علم الله أن لم آل الناس خيرًا، وإن رحى الفتنة دائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها.
سكِّتُوا الناس وهبوا لهم حقوقهم، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا توهنوا، "الخليفة المفترى عليه: صـ ٦٤ للأستاذ محمد صادق عرجون".
ومن أروع الأدلة على قوة عثمان ورباطة جأشه موقفه حين اشتد عليه هجوم الثوار وأصحاب الفتنة، يقتحمون عليه داره ليقتلوه، وكبار الصحابة الصناديد مع أبنائهم يرجونه للدفاع عنه، كما فصلنا القول في غير هذا المكان، "فيعزم على كل من رأى أن له عليه سمعًا وطاعة أن يكف يده ويلقى سلاحه" حرصًا على دماء المسلمين، ولو بتعريض حياته للهلاك والقتل.
ليت شعري أي شجاعة نفسية، وأي صبر يطلبه الناس وراء هذا؟ إذا كانت الشجاعة هي ضبط النفس عند النوازل في غير قلق، والصبر على المكاره من غير جزع، ومصابرة الحوادث من غير سأم، والثبات لجسام الأحداث بلا تزعزع، فلم تنجب الأمهات مثل عثمان في شجاعته ورباطة جأشه، وقوة يقينه، وثباته على رأيه فإن أحدًا من الناس في مثل حال عثمان وشأنه، لم يلقَ ما لقي عثمان، ولا شيئًا منه، ولم يصبر أحد على ما لقي من البلاء والمحنة مثل ما صبر عثمان. وكيف بصبر ينتهي بصاحبه -على علم منه وبصيرة- إلى الموت قتلًا، وكان له لو كان جزوعًا وأراد إلا يصبر عن يقين ورضًا، مخارج ينفذ منها، ويعيش في خفض من العيش، ولكن عثمان رضي الله عنه لم يكن ضعيفًا ولا مستضعفًا -كما يزعم القاصرون والمقصرون- بل كان قويَّ الإيمان، عظيم اليقين، كبير النفس، عبقري الشجاعة، نبيل الصبر، نفاذ البصيرة، فَفَدَى الأمة، ووضع لها بذلك أعظم قواعد النظام في تكوينها الاجتماعي "الخليفة المفترى عليه، للأستاذ عرجون صـ ٦٥"."م".
١٦١ قال ابن الكواء فيما نقله الحافظ ابن عساكر في ترجمته من تاريخ دمشق ٢٩٩:٧ وأبو جعفر الطبري في تاريخه ٩٢:٥ يصف لمعاوية=

<<  <   >  >>