للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عاصمة]

قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه: هذا كله كذب صراح، ما جرى منه حرف قط، وإنما هو شيء [اخترعته] المبتعدة، ووضعته التاريخية للملوك، فتوارثته أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع٣٠٩.

وإنما الذي روى الأئمة الثقات الأثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر-


٣٠٩ إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي ومحاسن أهله، فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجدة من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه، وطائفة ظنت أن التدين لا يتم، ولا يكون التقرب إلى الله، ألا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعًا، وطائفة ثالثة من أهل الإنصاف والدين -كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب -كلوط بن يحيى الشيعي المحترق، سيف بن عمر العراقي المعتدل- ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاء لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها، وقد أثبت أكثر هؤلاء الأسماء رواة الأخبار التي أوردها؛ ليكون الباحث على بصيرة من كل بخبر بالبحث عن حال راويه، وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا، وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع، وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع، متكفيًا بأصول الأخبار الصحيحة عن الزيادات الطارئة عليها، وأن الرجوع إلى كتب السنة، وملاحظات أئمة الأمة، مما يسهل هذه المهمة، وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء، وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شبلي النعماني في انتقاده لكتب جرجي زيدان، ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق؛ فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة، ولا يبعد -إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق- أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم، ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات."خ".

<<  <   >  >>