فلما أثنى النبي صلى الله عليه وىله وسلم على الحسن بالإصلاح وترك القتال دل على أن افصللاح بين تلك الطائفين كان أحب إلى الله تعالى من فعله٩. فدل على أن القتال لم يكن مأمورا به، ولو كان معاوية كافرا لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله، بل دل احديث على أن معاوية وأصحابه كانوا مؤمنين، كما كان الحسن وأصحابه مؤمنين، وأن الي فعله الحسن كان محودا عند الله تعالى، محبوبا مرضيا له ولرسوله. وهذا كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من الناس، فتقتلهم أولى الطائفتين بالحق وفي لفظ: فتقتلهم أدناهما إلى الحق" فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلا الطائفتين المقتتلتين - علي واصحابه، ومعاوية وأصحابه- على حق، وان عليا واصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه الفتاوى ٤٦٦/٤-٤٦٧. م. ٤٠٧ أي من مؤلفاته الأخرى. وهذه المسألة من مسائل الفقه الإسلامي الممحصة، المبينة أحكامها على النصوص والسنن والأسس الشرعية التي قام الدين على مثلها في باب جلب المصالح ودرء المفاسد وتقدير الضرورات باقدارها. والقاضي أبو الحسن الماوردي لم يذكر في الأحاكم السلطانية ص٥ مخالفا في جواز إمامة المفضل إلا الجاحظ، وماذا يضر أئمة الدين إذا خالفهم الجاحظ، وهل العباسيون الذين عرف الجاحظ بالتقرب إليهم في حياتهم كانوا أفضل معاصريهم؟ أما جمهور الفقهاء والمتكلمين فقالوا تجوز إمامة المفصول وصحة بيعته، ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة، كما يجوز- في ولاية القضاء- تقليد المفوضل مع وجود الأفضل، لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار، وليست معتبرة في شروط الاستحقاق. ونحيل القارئ على كتاب الإمامة والمفاضلة لبي محمد بن حزم المدرج في الجزء الرابع من كتاب الفصل ولاسيما الفصل المعقود فيه لإمامة المفضول ص١٦٣-١٦٧ من طبعة مصر سنة ١٣٢٠. خ.