للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[معاوية لم يكن يومئذ خليفة حتى يخلعه عمرو أو يثبته]

وقالوا: إنهما لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل٣٠٥، وتفاوضا اتفقا على أن يخلعا الرجلين٣٠٦، فقال عمرو لأبي موسى: "اسبق بالقول". فتقدم فقال: "إني نظرت فخلعت عليًّا عن الأمر، ولينظر المسلمون لأنفسهم، كما خلعت سيفي هذا من عاتقي" وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض، وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال: "إني نظرت فأثبت معاوية في


٣٠٥ أذرح: قرية من أعمال الشراة تقع في منطقة بين أراضي شرقي الأردن والمملكة العربية السعودية في الأطراف الجنوبية من بادية الشام. "خ".
٣٠٦ من الحقائق ما إذا أسيء التعبير عنه وشابته شوائب المغالطة يوهم غير الحققة، فينشأ عن ذلك الاختلاف في الحكم عليه، ومن ذلك حادثة التحكيم، وقول المغالطين أن أبا موس وعمرًا اتفقا على خلع الرجلين، فلخلعهما أبو موسى، واكتفى عمرو بخلع علي دون معاوية. وأصل المغالطة من تجاهل المغالطين أن معاوية لم يكن يومئذ خليفة. ولا هو ادعى الخلافة حتى يحتاج عمرو إلى خلعها عنه، بل إن أبا موسى وعمرًا اتفقا على أن يعهدا بأمر الخلافة على المسلمين إلى الموجودين على قيد الحياة من أعيان الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راضٍ، واتفاق الحكمين على ذلك لا يتناول معاوية؛ لأنه لم يكن خليفة، ولم يقاتل على الخلافة، وإنما كان يطالب بإقامة الحد الشرعي على الذين اشتركوا في قتل عثمان، فلما وقع التحكيم على إمامة المسلمين، واتفق الحكمان على ترك النظر فيها إلى كبار الصحابة وأعيانهم تناول التحيكم شيئًا واحدًا هو الإمامة، أما التصرف العملي في إدارة البلاد التي تحت حكمه، ومعاوية متصرف في البلاد التي تحت حكمه، فالتحكيم لم يقع فيه خداع ولا مكر، ولم تتخلله بلاهة ولا غفلة، وكان يكون محل للمكر أو الغفلة لو أن عمرًا أعلن في نتيجة التحكيم أنه ولى معاوية إمارة المؤمنين وخلافة المسلمين، وهذا ما لم يعلنه عمرو، ولا ادعاه معاوية، ولم يقل به أحد في الثلاثة عشر قرنًا الماضية. وخلافة معاوية لم تبدأ إلا بعد الصلح مع الحسن بن علي، وقد تمت بمبايعة الحسن لمعاوية، ومن ذلك اليوم فقط سمي معاوية أمير المؤمنين، فعمرو لم يغالط أبا موسى ولم يخدعه، إنه لم يعطِ معاوية شيئًا جديًّا، ولم يقرر في التحيكم غير الذي قرره أبو موسى، ولم يخرج عما اتفقا عليه معًا، فبقيت العراق والحجاز وما يتبعهما تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وبقيت الشام وما يتبعها تحت يد من كانت تحت يده من قبل، وتعلقت الإمامة بما سيكون من اتفاق أعيان الصحابة عليها، وأي ذنب لعمرو في أي شيء مما وقع؟ إن البلاهة لم تكن من أبي موسى، ولكن ممن يريد أن يفهم الوقائع على غير ما وقعت عليه، فليفهمها كل من شاء كما يشاء. أما هي، فظاهرة واضحة لكل من يراها كما هي. "خ".

<<  <   >  >>