للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حجر بن عدي والأسباب التي حملت معاوية على قتله]

فإن قيل: فقد قتل حجر بن عدي- وهو من الصحابة مشهور بالخير- صبرا أسيرا بقول زياد، وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله. قلنا: قد علمان قتل حجر كلنا، واختلفنا: فقائل يقول قتله ظلما، وقائل يقول قتله حقا٤٠٨.

فإن قيل: الأصل قتله ظلما إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله. قلنا: الأصل أن قتل الإمام بالحق، فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل. ولو كان ظلما محضا لما بقى بيت إلا لعن فيه معاوية. وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس- وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس- مكتب على أبواب مساجدها: خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


٤٠٨ حجر بن عدي الكندي عده البخاري وآخرون من التابعين، وعده ابعض الآخر من الصحابة، وكان من شيعة علي في الجمل وصفين. وروى ابن سيرين أن زيادا- وهو أمير الكوفة- خطب خطبة أطال فيها، فنادى حجر بن عدي الصلاة! فمضى زياد في خطبته، فحصبه حجر وحصبه آخرون معه. فكتب زياد إلى معاوية يشكو بغى حجر على أميره في بيت الله، وعد ذلك من الفساد في الأرض. فكتب معاوية إلى زياد أن سرح به إلى ... فلما جيء به إلى معاوية أمر بقتله. فالذين يرون أن معاوية قتله بحق يقولون: ما من حكومة في الدنيا تعاقب بأقل من ذلك من يحسب أميره وهو قائم يخطب على المنبر في المسجد الجامع، مندفعا بعاطفة الحزبية والتشيع. والذي يعارضونهم يذكرون فضائل حجر ويقولون كان ينبغي لمعاوية أن لا يخرج عن سجيته من الحلم وسعة الصدر لمخالفيه. ويجيبهم الآخرون بأن معاوية يملك الحلم وسعة الصدر عند البغي عليه في شخصه، فأما البغي على الجماعة في شخص حاكمها وهو على منبر المسجد فهو لا يملك معاوية أن يتسامح فيه، ولاسيما في مثل الكوفة التي أخرجت العدد الأكبر من أهل الفتنة الذين بغوا على عثمان بسبب هذا التسامح، فكبدوا الأمة من دمائها وسمعتها وسلامة قلوبها ومواقف جهادها تضحيات غالية كنت في غنى عنها لو أن هيبة الدولة حفظة بتأديب عدد قليل من أهل الرعونة والطيش في الوقت المناسب.
وكما كانت عائشة تود لو أن معاوية شمل حجر بسعة صدره، فإن عبد الله بن عمر كان يتمنى مثل ذلك. والواقع أن معاوية كان فيه من حلم عثمان وسجاياه، إلا أنه في مواقف الحكم كان يتبصر في عاقبة عثمان وما جر إلهي تمادى الذين اجترأوا عليه. خ.

<<  <   >  >>