٤٤٨ نذكر فيما لي ضراعات كبار الصحابة والمفكرين للحسين بلزوم رجوعه: لقد روى الطبري أن الحسين لما خرج من مكة اعترضه رسل الوالي عمر ابن سعيد بقيادة أخيه يحيى، فقالوا له: أين تذهب وطلبوا منه الانصراف فأبى فتدافع الفريقان وتضاربا بالسياط وامتنع الحسين منهم، ثم مضى فناداه يحيى: يا حسين؟ اتق الله ولا تخرج من الجماعة وتفرق هذه الأمة!! فأجبه بالآية: {لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} ثم مضى. وقد روى الطبري كذلك أن عبد الله بن جعفر لما علم بخروج الحسين من مكة ارسل إليه كتابا مع ابنيه عون ومحمد يقول فيه: إني أسألك الله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه إليه أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. إن هلكت اليوم طفيء نور الأرض، فإنك علم المهتدين ورجل المؤمنين، فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب. ولقد روى ابن كثير. ص٢٩١-٢٩٢ أن عبد الله بن عمر لما سمع بخروج الحسين إلى العراق، وكان هو في مكة لحق به على مسيرة ثلاث ليال، فقال له: أين تريد؟ قال العراق: وهذه كتبهم وبيعتهم. فقال له ابن عمر: إني محدثك حديثا: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا. وإنك بعضة من رسول الله وما نالها أحد منكم أبدا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. استودعك الله من قتيل! كذلك روى أن أبا سعيد الخدري جاء إلى الحسين وقال له: أنى لك ناصح، وأنى عليك مشفق. وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم، فلا تخرج! فإني سمعت أباك يقول بالكوفة. والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني وما يكون منهم وفاء قط. ومن فاز منهم فاز بالسهم الأخيب. والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على السيف. البداية والنهاية ج/ص١٦٠.