للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عاصمة]

[موقف علي من قتلة عثمان]

أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعًا، وأما كونه بهذا السبب فمعلوم كذلك قطعًا، وأما الصواب فيه فمع علي؛ لأن الطالب للدم لا يصح أن يحكم، وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده، فإن ظهر له قضاء وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه، وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا٢٨١.


٢٨١ وجود قتلة عثمان في معسكر علي حقيقة لا يماري أحد فيه، بل أن الأشتر، وهو من رؤوس البغاة على عثمان كان أكبر مسعر للحرب بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين في معسكر علي والذين في معسكر معاوية، ولما طالب علي معاوية ومن معه من الصحابة والتابعين أن يبايعوه احتكموا إليه في قتلة عثمان، وطلبوا منه أن يقيم حد الله عليهم، أو أن يسلمهم إليهم، فيقيموا عليهم حد الله، وقد اعتذرنا عن أمير المؤمنين علي بأن قتلة عثمان لما صاروا مع علي في العراق صاروا في معقل قوتهم وعنجهية قبائلهم، فكان علي يرى -بينه وبين نفسه- أن قتلهم يفتح عليه بابًا لا يستطيع سده بعد ذلك. وقد انتبه لهذه الحقيقة الصحابي الجليل القعقاع بن عمرو التميمي، وتحدث بها مع أم المؤمنين عائشة وصاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طلحة والزبير، فأذعنوا لها وعذروا عليًّا، ووافقوا على التفاهم معه على ما يوصلهم إلى الخروج من هذه الفتنة، فما لبث قتلة عثمان أن أنشبوا الحرب بين الفريقين، فالمطالبون بإقامة حد الله على قتلة عثمان معذورون لأنهم يطالبون بحق، سواء كانوا من أصحاب الجمل، أو من أهل الشام. وتقصير علي في إقامة حد الله كان عن ضرورة قائمة ومعلومة، ولكن إذا كانت حرب البصرة ناشئة عن إنشاب قتلة عثمان الحرب بين الفريقين الأولين، فقد كان من مصلحة الإسلام أن لا تنشب حرب صفين بين الفريقين الآخرين، وكان سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسن بن علي كارهًا خروج أبيه من المدينة إلى العراق لما يخشاه من نشوب الحرب مع أهل الشام، ولو أن عليًّا لم يتحرك من الكوفة استعدادًا لهذا القتال لما حرك معاوية فيه ساكنًا، قال شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة ٢١٩: ٢: "لم يكن معاوية ممن يختار الحرب ابتداء"، ومع ذلك فإن هذه الحرب المثالية هي الحرب
=

<<  <   >  >>