١٠٣ إنما بلغت دولة الإسلام في خلافة أبي بكر وعمر الذروة في العزة، وكانت مضرب الأمثال في الفلاح الإنساني وسعادة المجتمع؛ لأن أبا بكر وعمر كانا يكتشفان بنور الله عز وجل كوامن السجايا في أهلها وعناصر الرجولة في الرجال، فيوليانهم القيادة، ويبوِّئانهم مقاعد السيادة، ويأتمنانهم على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهما يعلمان أنهما مسئولان عن ذلك بين يدي الله عز وجل، وقد رأيت أن يزيد بن أبي سفيان وأخاه معاوية كانا من رجال دولة أبي بكر الصديق الذين اختارهم لحمل أعباء الأمة في حربها وسلمها، فأحسن بذلك كل الإحسان، ولما ولي يزيد قيادة أحد جيوشه خرج معه أبو بكر يشيعه ماشيًا. "الطبري ٣٠: ٤". ومعاوية مذكور في التاريخ بعد أخيه يزيد؛ لأنه أصغر منه سنًّا، لا لأنه أقل منه في استكمال صفات القيادة والسيادة، وقبل أن يكون معاوية من رجال الدولتين البكرية والعمرية كان أحد الذين استعملهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستعان بهم، وكان يدعوه لذلك في بعض الأحيان -ومعاوية يأكل- ويلح في دعوته، ويرسل إليه المرة بعد المرة يستعجله في المجيء إليه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولى معاوية شيئًا من عمله قبل أن يوليه أبو بكر وعمر، وولى يزيد بن أبي سفيان أيضًا كما في فتوح البلدان للبلاذري: "صـ ٤٨ طبع مصر سنة ١٣٥٠". والذين يضطغنون البغضاء والحقد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاسيما بني أمية منهم لم يستطيعوا أن ينكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل معاوية في الكتابة له، فقالوا: إنه كان يكتب له، ولكنه لم يكن يكتب الوحي، وهم يقولون هذا بوحي أوحي إليهم من الشيطان، وليس في يدهم نص تاريخي أو دليل شرعي يرجعون إليه، فميزوا بين أمور لا حجة لهم في التمييز بينها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يميز بين كتبته في أمور دون أمور لتواتر ذلك عنه، ولنقله الناقلون كما وقع فيما هو أقل من هذا شأنًا. سألني مرة أحد شباب المسلمين ممن يحسن الظن برأيي في الرجال: ما تقول في معاوية؟ فقلت له: ومن أنا حتى أُسأَل عن عظيم من عظماء هذه الأمة، وصاحب من خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ إنه مصباح من مصابيح =