وخرجت من الدار في الهودج، فودعت الناس ودعت لهم وقالت: "يا بني، لا يغتب بعضكم بعضًا، إنه والله ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار"، فقال علي رضي الله عنه: "صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا والآخرة، وسار معها مودعا أميالًا سرح بيته معها بقية ذلك اليوم. أما خروج عائشة رضي الله عنها فهو اجتهاد منها لتحقيق غاية طلحة والزبير، والتعاون مع علي من أجل إطفاء الفتنة والقضاء على المنافقين من قتلة عثمان رضي الله عنهم جميعا. "التحفة صـ ٢٦٠-٢٦٨، ٢٧٥، ٢٧٦ باختصار". فأين هذه البراءة مما زعمه بعض المفترين بأن خروج عائشة رضي الله عنها يوم الجمل كان انتقامًا من علي رضي الله عنه من أنه حض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على طلاقها في حادثة الإفك لما رأى من حزنه من كلام بعض الناس. وقد قال غير واحد أنها اجتهدت، ولكنها أخطأت في الاجتهاد، ولا إثم على المجتهد المخطيء، بل له أجر على اجتهاده، وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن عائشة لم تقاتل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت كلما ذكرت تبكي حتى تبل خمارها، وهكذا عامة السابقن ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن لهؤلاء قصد في القتال، ولك وقع القتال بغير اختيارهم. "المنتقى صـ ٢٢٣"."م". ٢٧٦ تقدم بيان موضع الحوأب. وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة. وقد رأينا خبره عند الطبري ١٧٠:٥ فرأيناه يرويه عن إسماعيل بن موسى الفزاري "وهو رجل قال فيه ابن عدي: أنكروا منه الغلو في التشيع"، ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق "قال عنه النسائي: ضعيف"، وهو يرويه عن أبي الخطاب الهجري "قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مجهول" وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي "قال عنه