للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


موقف سعد بن عبادة وأنصاره يوم السقيفة, وتطلعهم إلى رئاسة الحكم، فأنقذهم الله وجعلهم يتراجعون ويتابعون أبا بكر دون افتراق وخلاف ونزاع.
والرواية تعبر عما كان من شدة حرص أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مهاجرين وأنصار على سرعة البت في أمر الرئاسة؛ حتى تجتمع كلمتهم، وتفيد أن الهاشميين أيضًا -وهم من المهاجرين- قد تتابعوا على بيعة أبي بكر, ولم يقعد منهم أحد.
ولقد روى الطبري خبر مبايعة علي لأبي بكر فورًا، وبحركة رائعة, حيث روى بأسانيده عن حبيب بن أبي ثابت أن عليًّا كان في بيته، فأتى إليه الخبر عن جلوس أبي بكر للبيعة، فخرج في قميصه ما عليه إزار ولا رداء عجلًا؛ كراهية أن يبطيء عنه حتى بايعه، ثم جلس إليه وبعث, فأحضر ثوبه وتخلله ولزم مجلسه: ٤٤٧/٢.
وعلى كل حال فإن المتفق عليه في روايات الشيعة وغيرهم أن عليًّا وبني هاشم بايعوا أبا بكر فورًا، كما يروي الطبري، أو بعد تردد كما تروي رواية الشيعة، وتعاونوا معه، حيث يدل هذا دلالة حاسمة على أنه لم يكن هناك وصية صريحة أو ضمنية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون الأمر لعلي من بعده, وما رواه الطبري كذلك بأسانيد أخرى خبر امتناع علي وبني هاشم عن بيعة أبي بكر طوال حياة فاطمة؛ لأن فاطمة جاءت هي والعباس إلى أبي بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو أرضه من فدك, وسهمه من خيبر, فقال لهما أبو بكر: "أما إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال", وإني والله لا أدع أمرًا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته, فهجرته فاطمة, فلم تكلمه في ذلك حتى توفيت بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ورأى علي انصراف وجوه الناس عنه، وكان لم يبايع أبا بكر هو ولا أحد من بني هاشم, والقصة طويلة وفي ختامها: بايع علي أبا بكر، أي بعد وفاة فاطمة, ويلحظ أن صيغة خبر الطبري تجعل مسألة الميراث سببًا لامتناع علي، وبني هاشم عن مبايعة أبي بكر، ومطالبتهم بالميراث من أبي بكر تقتضي أن تكون بعد الاعتراف بخلافته، وفي هذا من التناقض ما يجعل القصة متهافتة، وإن كان لها أصل ما فكل ما يمكن أن يكون هو أنهم بعد مبايعتهم لأبي بكر طالبوا بما اجتهدوا أنه ميراثهم من النبي, فأورد أبو بكر عليهم حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سمعه, ووقف الأمر عند هذا الحد، ويكون ما عدا ذلك من مزيدات الشيعة ومدسوساتهم؛ لأنه لا يمكن أن يكون علي وفاطمة وبنو هاشم لم يصدقوا أبا بكر في الحديث الذي رواه، كما لا يمكن أن يكونوا كابروا وأصروا بعد سماعهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ا. هـ. "الجنس العربي: ١٧/٧".

<<  <   >  >>