إن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزواجه ومنهم عائشة بنت أبي بكر، وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي، ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته. وفي كتاب فرض الخميس من صحيح البخاري: ك ٥٧، ب١-ج٤، صـ ٤٢ حديث ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة أم المؤمنين أخبرت أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أفاء الله عليه، فقال أبو بكر: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة" ... فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال: "لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم يعمل به إلا عملت به، فإني أخشى أن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ". وفي الباب نفسه من صحيح البخاري: ج٤، صـ ٤٢-٤٤، من حديث الإمام مالك بن أنس عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه قال: بينما أنا جالس في أهلي حين متع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب فقال: أجب أمير المؤنين، فانطلقت معه ... فبينما أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص يستأذنون؟ قال: نعم. فأذن لهم ... ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم، فأذن لهما، فدخلا فسلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا -وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بني النضير- فقال الرهط، عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمين، اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال عمر: تيدكم، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة"، يريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما الله، أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك، "وبعد أن ذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفق على أهله سنتهم من هذا المال ثم يجعل ما بقى مجمل مال الله، واستشهدهم على ذلك فشهدوا، قال": ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقبضها، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله يعلم أنه فيها لصادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فكنت أنا ولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها