فرحمة الله عز وجل ثابتة بالدليل السمعي والدليل العقلي.
وأنكر الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة، قالوا: لأن العقل لم يدل عليها. وثانياً: لأن الرحمة رقة وضعف وتطامن للمرحوم، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لأن الله أعظم من أن يرحم بالمعنى الذي هو الرحمة، ولا يمكن أن يكون لله رحمة!! وقالوا: المراد بالرحمة: إرادة الإحسان، أو: الإحسان نفسه، أي: إما النعم، أو إرادة النعم.
فتأمل الآن كيف سلبوا هذه الصفة العظيمة، التي كل مؤمن يرجوها ويؤملها، كل إنسان لو سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة الله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: ٥٦]. أنكروا هذا، قالوا: لا يمكن أن يوصف الله بالرحمة!!
ونحن نرد عليهم قولهم من وجهين: بالتسليم، والمنع:
التسليم أن نقول: هب أن العقل لا يدل عليها، ولكن السمع دل عليها، فثبتت بدليل آخر، والقاعدة العامة عند جميع العقلاء: أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأنه قد يثبت بدليل آخر. فهب أن الرحمة لم تثبت بالعقل، لكن ثبتت بالسمع، وكم من أشياء ثبتت بأدلة كثيرة.
أما المنع، فنقول: إن قولكم: إن العقل لا يدل على الرحمة: قول باطل، بل العقل يدل على الرحمة، فهذه النعم المشهودة والمسموعة، وهذه النقم المدفوعة، ما سببها؟ إن سببها الرحمة بلا شك، ولو كان الله لا يرحم العباد، ما أعطاهم النعم،