وهناك تقرير عقلي آخر, وهو أن نقول: إن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء, وإذا كان صفة كمال؛ وجب أن يكون ثابتاً لله؛ لأن كل صفة كمال مطلقة؛ فهي ثابتة لله.
وقولنا:"مطلقة": احترازاً من الكمال النسبي, الذي يكون كمالاً في حال دون حال؛ فالنوم مثلاً نقص، ولكن لمن يحتاج إليه ويستعيد قوته به كمال.
خامساً: وأما دلالة الفطرة: فأمر لا يمكن المنازعة فيها ولا المكابرة؛ فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء, ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه، وإنما تتوجه إلى الله تعالى بدفعه؛ فإن قلبك ينصرف إلى السماء حتى الذين ينكرون علو الذات لا يقدرون أن ينزلوا أيديهم إلى الأرض.
وهذه الفطرة لا يمكن إنكارها.
حتى إنهم يقولون: إن بعض المخلوقات العجماء تعرف أن الله في السماء كما في الحديث الذي يروى أن سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام وعلى أبيه خرج يستسقي ذات يوم بالناس, فلما خرج؛ رأى نملة مستلقية على ظهرها, رافعة قوائمها نحو السماء، تقول:
"اللهم! إنا خلق من خلقك, ليس بنا غنى عن سقياك". فقال:"ارجعوا؛ فقد سقيتم بدعوة غيركم"(١). وهذا إلهام فطري.