للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روح التسامح والتحكم بين الاستقراء والقياس تبدو في الفرق بين الملاحظة الاستقرائية والقاعدة القياسية فالأولى تعبر عن السلوك اللغوي الذي بدت فيه الظاهرة المستقرأة فقط، أما الثانية تعبير عما استقرئ وما يمكن أن يستقرأ، الأولى تمثل مجهوداً متواضعاً مقصوراً على الظاهرة الملاحظة، والثانية تمثل حكماً مطلقاً حاداً يتعدى حدود اختصاصه، الأولى طابعها الوصف والثانية طابعها المعيار" (١).

ولنناقش مدى صحة هذا الرأي على ضوء الأثر اللغوي الذي نحن بصدده وهو كتاب يقوم بالدرجة الأولى على مبدأ القياس ذاته.

إن الفروق التي أشار إليها الدكتور محمد عيد بين القياس والاستقراء تحتمل الكثير من الجدل والمناقشة. فالنحاة على اختلافهم لم يروا هذه الفروق بل كانت خلافاتهم تنحصر حول التوسع في القياس على كل ما هو وارد عن العرب أو قصر ذلك على المطرد من الكلام بحسب استقراء وضعوه للغة. وهم أيضاً رأوا ترابطاً وثيقاً يقوم بين الاستقراء والقياس، فأبو علي في التكملة يعرف النحو بأنه علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فالقياس إذن يقوم على الاستقراء وليس في مواجهته.

أكثر من هذا أني لاحظت أن أبا علي وضع أحكامه في القياس على ضوء مبدأ الاستقراء وهو استقراء لكلام العرب يتفاوت بين الاجماع على صحة وروده والمنعدم من ذلك ووفق هذا التنوع تتنوع أحكام القياس تقوى مع الأول وتمتنع مع الآخر.

وتحتم عليّ موضوعية البحث أن أقرر أن أبا علي لم ينص صراحة على


(١) موقف ابن مضاء من مناهج النحاة على ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، رسالة ماجستير بدار العلوم ٢٨٥ - ٢٨٦.

<<  <   >  >>