للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعاً: في مسائل لغوية عامة:

[١]: قال ابن عطية عند حديثه عن قوله - تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٨]: "وقوله - تعالى-: {مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} رجع من لفظ الواحد إلى لفظ الجمع بحسب لفظ (مَن) ومعناها، وحَسُن ذلك؛ لأن الواحد قبل الجمع في الرتبة، ولا يجوز أن يرجع متكلم مِن لفظ جمع إلى توحيد، لو قلت: «ومِن الناس مَن يقولون ويتكلم» لم يجز". اهـ (١)

وقال السمين متحدثاً عن هذه المسألة ومستدركاً على ابن عطية: "واعلم أن (مَنْ) وأخواتها لها لفظٌ ومعنىً، فلفظُها مفردٌ مذكَّرٌ، فإن أريد بها غيرُ ذلك فلك أن تراعيَ لفظها مرةً، ومعناها أخرى، فتقول: «جاء مَنْ قام وقعدوا»، والآيةُ الكريمة كذلك، روعي اللفظُ أولاً فقيل: {مَنْ يَقُولُ}، والمعنى ثانياً في {آمَنَّا}، وقال ابن عطية: "حَسُن ذلك لأنَّ الواحدَ قبلَ الجمعِ في الرتبة، ولا يجوزُ أن يرجِعَ متكلمٌ من لفظِ جَمْعٍ إلى توحيدٍ، لو قلت: «ومن الناس مَنْ يقومون ويتكلم» لم يَجُز". اهـ

وفي عبارة القاضي ابن عطية نظرٌ، وذلك لأنه منع من مراعاة اللفظ بعد مراعاة المعنى، وذلك جائزٌ، إلا أنَّ مراعاةَ اللفظ أولاً أَوْلى، ومِمَّا يَرُدُّ عليه قولُ الشاعر:

لستُ مِمَّنْ يَكُعُّ (٢) أو يَسْتَكينو ... ن (٣) إذا كافَحَتْهُ (٤) خيلُ الأعادي (٥)

وقال - تعالى-: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ} [الطلاق: ١١] إلى أن قال: {خَالِدِينَ} فراعى المعنى، ثم قال: {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: ١١] فراعى اللفظَ بعد مراعاةِ المعنى، وكذا راعى المعنى في قوله: (أو يَستكينون) ثم راعى اللفظَ في (إذا كافحته).


(١) المحرر الوجيز (١: ٩٠).
(٢) يجبنُ ويرتدُّ هيبةً. ينظر: جمهرة اللغة، لابن دريد، مادة: كعع (١: ١٥٦)، الصحاح، للجوهري، مادة: كعع (٣: ١٢٧٧)، المحكم، لابن سيده، مادة: كعع (١: ٦٠).
(٣) الاستكانة: الخضوع. ينظر: تهذيب اللغة، للأزهري، مادة: كن (١٠: ٢٠٤).
(٤)؛ المُكافَحَة: الْمُضَارَبَة وَالْمُدَافَعَة تِلْقَاءَ الْوَجْه، يقال: كافَحَه مُكافَحة وكِفاحاً: لَقِيَهُ مُوَاجَهَةً. ينظر: لسان العرب، لابن منظور، مادة: كفح (٢: ٥٧٣)، تاج العروس، للزبيدي، مادة: كفح (٧: ٧٩).
(٥) ذكره أبو حيان في تفسيره دون نسبه (١: ٨٩)، ونقله عنه بعض المفسرين، ولم أعرف قائله.

<<  <   >  >>