للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل القول السادس هو الأرجح من الأقوال الثلاثة الأخيرة، والتفصيل الذي ذكره ابنُ القيم يتوافق مع المعاني التي استُخدمت فيها (كاد) في القرآن ولغة العرب.

قال ابنُ القيم: " والصحيحُ أنها فِعلٌ يقتضي المقاربة ولها حُكْمُ سائرِ الأفعال، ونفي الخبر لم يُسْتَفَدْ مِن لفظها وَوضْعِها؛ فإنها لم توضعْ لنفيه، وإنما استُفِيدَ مِن لوازم معناها، فإنها إذا اقتضت مقاربة الفعل لم يكن واقعاً؛ فيكونُ منفياً باللزوم، وأمَّا إذا استُعمِلت منفية فإن كانت في كلامٍ واحد فهي لنفي المقاربة، كما إذا قُلتَ: لا يَكَادُ الْبَطَّالُ يُفْلِحُ، ولا يَكَادُ الْبَخِيلُ يَسُودُ، ولا يَكَادُ الْجَبَانُ يَفْرَحُ ونحو ذلك، وإن كانت في كلامين اقتَضَتْ وقوع الفعل بعد أن لم يكن مقارباً كما قال ابنُ مالكٍ، فهذا التَّحقيقُ في أمرها، والمقصود أنّ قوله - تعالى-: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠] إمَّا أنْ يدل على أنه لا يقارب رؤيتها لشدة الظلمة وهو الأظهر، فإذا كان لا يقارب رؤيتها فكيف يراها؟ قال ذو الرُّمَّة:

إِذَا غَيَّرَ النَّائِي الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ ... رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

أي: لَمْ يقارب البَرَاحَ - وهو الزَّوالُ- فكيفَ يَزُولُ؟ ". اهـ (١)

* * *

[٣]: قال ابنُ عطية في معرض تفسيره لقوله- تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}


(١) اجتماع الجيوش الإسلامية (٢: ٦١ - ٦٢).

<<  <   >  >>