للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما القول الأول - وهو قول السمين- فيعترض عليه بأنه لا يلزم من نفي (كاد) نفي الفعل دائماً، بل الفعل قد يقع كما في قوله: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: ١٧] وهو يسيغه (١) رغماً عنه بعد إبطاء (٢).

أما القول الثاني - وهو قول ابن عطية- فيعترض عليه بأن نفيها قد يكون نفياً لا إثباتاً، كما في قوله: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠] فجمهور المفسرين

على أنه لم يرها ولم يكد، وذهب بعضهم إلى أن هذا أبلغ من نفي الرؤية نفسها (٣).

وللطبري كلام جيد في هذه المسألة؛ حيث بيّن الأظهر من جهة اللغة، والأظهر من جهة التفسير، فقال: " قد يكون رآها بعد بطء وجهد، كما يقول القائل لآخر: ما كدت أراك من الظلمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدة، وهذا القول أظهر معاني الكلمة من جهة ما تستعمل العرب (كاد) في كلامها.

والقول الآخر الذي قلنا إنه يتوجه إلى أنه بمعنى لم يرها، قول أوضح من جهة التفسير، وهو أخفى معانيه، وإنما حَسُن ذلك في هذا الموضع، أعني أن يقول: لم يكد يراها مع شدة الظلمة التي ذكر; لأن ذلك مَثَل لا خبر عن كائن كان". اهـ (٤)

أما القول الثالث فلم يرجحه أحد من العلماء، بل وأعرض أغلبهم عن ذكره.


(١) ينظر: تفسير الطبري (١٦: ٥٤٩).
(٢) ينظر: تفسير ابن أبي زمنين (٢: ٣٦٥)، التفسير الوسيط، للواحدي (٣: ٢٧)، تفسير القرطبي (٩: ٣٥١).
(٣) ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (٣: ٢٠٢)، معاني القرآن، للفراء (٢: ٧٢)، تفسير الطبري (١٦: ٥٤٩)، تفسير ابن أبي حاتم (٨: ٢٦١٥)، التفسير الوسيط، للواحدي (٣: ٣٢٣)، تفسير السمعاني (٣: ٥٣٧)، تفسير الزمخشري (٣: ٢٤٤).
(٤) تفسير الطبري (١٩: ١٩٩).

<<  <   >  >>