للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَحَكَوْا عن ذي الرُّمَّة (١) أنه لمَّا أَنْشَدَ قولَه (٢):

إذا غَيّر النأيُ (٣) المحبينَ لم يكدْ ... رَسِيسُ (٤) الهوى مِن حبِّ مَيّة (٥) يبرحُ

عِيبَ عليه؛ لأنه قال: لَمْ يَكَدْ يَبْرَحُ فيكون قد بَرِحَ، فغيَّره إلى قوله: (لم يَزَلْ) أو ما هو بمعناه (٦).

والذي غَرَّ هؤلاء قوله- تعالى-: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: ٧١] قالوا: فهي هنا منفيَّةٌ وخبرُها مُثْبَتٌ في المعنى، لأن الذبْحَ وقع؛ لقوله: {فَذَبَحُوهَا}.

والجوابُ عن هذهِ الآية من وَجْهَين، أحدُهما: أنه يُحْمَلُ على اختلافِ وقتين، أي: ذبحوها في وقتٍ، وما كادوا يفعلونَ في وقتٍ آخرَ، والثاني: أنه عبَّر بنفي مقاربةِ الفعل عن شدَّةِ تعنُّتهم وعُسرِهم في الفعل.

وأمَّا ما حَكَوهُ عن ذي الرُّمَّة فقد غلَّط الجمهورُ ذا الرُّمة في رجوعه عن قولِه، وقالوا: هو أبلغ (٧) وأحسنُ مِمَّا غيَّره إليه". اهـ (٨)


(١) غَيْلان بن عُقْبَة المُضَرِيّ، أبو الحارث، المعروف بذي الرُّمَّة، من فحول الشعراء، عَشِقَ مَيَّة المِنْقَرِيّة واشتُهر بذلك، قال أبو عمرو ابن العلاء: "افتتح الشعر بامرئ القيس، وخُتم بذي الرمة"اهـ، له ديوان شعر مشهور، توفي سنة ١١٧ هـ. ينظر: طبقات فحول الشعراء، للجمحي (٢: ٥٣٤)، البداية والنهاية، لابن كثير (١٣: ٧٨).
(٢) البيت في ديوان ذي الرمة (ص: ٤٣)، وهو أيضاً في العين، للخليل بن أحمد، مادة: رس (٧: ١٩١)، وفي تهذيب اللغة، للأزهري، مادة: رس (١٢: ٢٠٥)، وفي مصادر أخرى.
(٣) النَّأْيُ: البُعدُ. ينظر: العين، للخليل بن أحمد، مادة: ناء (٨: ٣٩٢)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: نأي (١٥: ٣٠٠).
(٤) الرَّسيس: الشيء الثابتُ اللازمُ مكانَه، ورسيس الهوى: بقيته وأثره، وقيل: ابتداءه وأصله. ينظر: العين، للخليل بن أحمد، مادة: رس (٧: ١٩١)، تهذيب اللغة، للأزهري، مادة: رس (١٢: ٢٠٥)، لسان العرب، لابن منظور، مادة: رس (٦: ٩٧)، تاج العروس، للزبيدي، مادة: رس (١٦: ١٢٣).
(٥) مَيَّة بِنْت مُقَاتِل بن طَلَبَة بن قَيْس الْمِنْقَرِيّ التَمِيمِيّ، عشقها ذو الرُّمة، وله فيها أشعار، توفيت نحو ١٥٠ هـ. ينظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان (٤: ١١)، البداية والنهاية، لابن كثير (١٣: ٧٨).
(٦) ينظر: دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني (١: ٢٧٤).
(٧) ينظر: دلائل الإعجاز، لعبد القاهر الجرجاني (١: ٢٧٤)، شرح الكافية الشافية، لابن مالك (١: ٤٦٨).
(٨) الدر المصون (١: ١٧٦).::

<<  <   >  >>