للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعنى: لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم: ربّنا هلاّ أرسلت إلينا رسولاً يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين؛ لما بعثناك إليهم رسولا، وعاقبناهم بكفرهم من غير إنذار سابق على العقاب، ولكن بعثناك إليهم قطعًا لاعتذارهم، وإلزامًا للحجة عليهم، نظير قوله -تعالى-: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]. (١)

قال الزجّاج: "أي: لولا ذلك لم يحتج إلى إرسالِ الرسُل، ومواترة الاحتجاج". اهـ (٢)

ولَمّا كانت العقوبة سبباً للقول جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال، فدخلت {لَوْلا} الامتناعية عليها، فرجع المعنى إلى: ولولا قولهم هذا، إذا أصابتهم مصيبة، لَمَا أرسلناك.

قال الزمخشري: "فإن قلتَ: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول، لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلتُ: القول هو المقصود بأن يكون سببًا لإرسال الرسل، ولكن العقوبة لمَاّ كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول، فأدخلت عليها {لَوْلا}، وجيء بالقول معطوفًا عليها بالفاء المعطية معنى السببية، ويؤول معناه إلى قولك: ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا، ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة: وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين: لم يقولوا: لوْلا أرسلتَ إلينا رسولاً، وإنما


(١) ينظر: تفسير ابن جزي (٢: ١١٤)، تفسير أبي السعود (٧: ١٧)، تفسير المظهري (٧: ١٦٩)، تفسير القاسمي (٧: ٥٢٥)، تفسير الآلوسي (١٠: ٢٩٧).
(٢) معاني القرآن وإعرابه (٤: ١٤٧).

<<  <   >  >>