للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي ذكره ابنُ عطية معنىً حسن، وإذا لم ينصّ عليه النحويون لا يُدفَع؛ لأَنَّ النحاةَ غالِباً إنما يتحدثون بِما يتعلَّقُ بالألفاظ، وأمَّا المعاني المفهومةُ من فحوى الكلامِ فلا حاجةَ لهم بالكلامِ عليها غالباً". ... اهـ (١)

وتارة نجده يقف موقف المدافع عن أقوال ابن عطية والموضح لها أمام مَن ينتقدها، لاسيما صاحب البحر المحيط الذي اعترض على ابن عطية كثيرًا في كتابه.

مثال ذلك: في كلامه عن تصريف كلمة {أسرع} في قوله - تعالى-: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} [يونس: ٢١] قال: " جعله ابن عطية (٢) - أعني كونَ أسرع للتفضيل - نظيرَ قوله: "لهي أسودُ مِنَ القار" (٣)، قال الشيخ: وأما تنظيره "أسود من القار" بـ (أسرع) ففاسد؛ لأن (أسود) ليس فعلُه على وزِن أَفْعَل، وإنما هو على وزن فَعِل ... ولم يمتنع التعجب ولا بناء أفعل التفضيل عند البصريين مِنْ سَوِدَ وحَمِرَ إلا لكونه لوناً".اهـ (٤)

ثم قال السمين ردًا على أبي حيان: "تنظيره به ليس بفاسد، لأنَّ مرادَه بناءُ أفعل مما زاد على ثلاثة أحرف وإن لم يكن على وزن أَفْعَل، وسَوِد وإن كان على ثلاثةٍ لكنه في معنى الزائد على ثلاثة، إذ هو في معنى اسود ... نصَّ على ذلك النحويون، وجعلوه هو العلةَ المانعةَ من التعجب في الألوان". اهـ (٥)


(١) الدر المصون (٣: ٣٣٥).
(٢) ينظر: المحرر الوجيز (٣: ١١٢).
(٣) رواه مالك في الموطأ (٢: ٩٩٤) عن أبي هريرة موقوفاً، باب ما جاء في صفة جهنم، ح (٢)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. قال ابنُ عبد البَرّ في الاستذكار (٨: ٥٩٣): "ومعناه مرفوعٌ لأنه لا يُدرَكُ مِثلهُ بالرأي ولا يكونُ إلا توقيفاً" اهـ.
(٤) ينظر: تفسير أبي حيان (٦: ٣١).
(٥) الدر المصون (٦: ١٦٧).

<<  <   >  >>