للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الدمياطي (١): "لا فرق بين الساكن للوقف والساكن للإدغام، ودعواهم عدم جواز الإدغام المذكور وصلاً ممنوعة، وعدم وجدان الشيء لا يدل على عدم وجوده في نفس الأمر، فقد سمع التقاؤهما من أفصح العرب بل أفصح الخلق على الإطلاق - صلى الله عليه وسلم- فيما يروى: (نِعمَّا (٢) بالمال الصالح للرجل الصالح) (٣)، وتواتر ذلك عن القراء، وشاع وذاع ولم ينكر وهو إثبات مفيد للعلم، وما ذكروه نفي مستنده الظن، فالإثبات العلمي أولى من النفي الظني، ولئن سلمنا أن ذلك غير متواتر فأقل الأمر أن يثبت لغة بدلالة نقل العدول له عمن هو أفصح ممن استدلوا بكلامهم، فبقي الترجيح في ذلك بالإثبات وهو مقدم على النفي". اهـ (٤)

فالصحيح في هذه المسألة: أن القرآن حجة على اللغة، لا اللغة حجة على القرآن، وما دامت القراءة بالجمع بين ساكنين لم يكن أولهما حرف لين قد وردت من طريقها المقطوع بصحته، فإنها هي التي يجب أن يصار إليها وأن تقعَّد عليها القواعدُ (٥)، وعليه: فاستدراك السمين على ابن عطية ودفاعه عن قراءة أبي عمرو في محله.

* * *


(١) أحمد بن محمد بن أحمد الدمْياطيّ، شهاب الدين، الشهير بالبنَّاء، ومن كبار علماء القراءات في عصره، أخذ عن علماء القاهرة والحجاز واليمن، توفي بالمدينة النبوية سنة ١١٧١ هـ ودفن في البقيع. ينظر: عجائب الآثار في التراجم والأخبار، للجبرتي (١: ١٦٠)، الأعلام، للزركلي (١: ٢٤٠).
(٢) قال الجوهري في الصحاح، مادة: نعم (٥: ٢٠٤٢): "وإن أدخلْت على نِعْمَ (ما) قلت: (نِعمَّا) تجمع بين الساكنين، وإن شئت حركت العين بالكسر، وإن شئت فتحت النون مع كسر العين" اهـ. وقال ابنُ الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (٥: ٨٣): "أصله: نِعْم ما، فأُدغِم وشُدِّد. وما: غير موصوفة ولا موصولة، كأنه قال: نِعْمَ شَيئًا المالُ".
(٣) رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح (١٣: ٥٠٤) من حديث عمرو العاص، مع قصة في أوله، ح (١٧٧٢٩)، ثم قال الإمام أحمد: " قال أبو عبيد بكسر النون والعين (نِعِمّا) "، ورواه في موضع آخر بلفظ: "نِعْمَ المال الصالح للمرء الصالح"، ح (١٧٦٩٢)، (ج ١٣: ص ٤٨٧).
(٤) إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر، لشهاب الدين الدمياطي المعروف بالبنَّاء (ص: ٣٩).
(٥) ينظر: رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم، لعبد الفتاح شلبي (ص: ٤٥).

<<  <   >  >>