للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذوا بآثارهم والزموا الكد والعير [١] ، والطفوا التفكير وصبروا في مدة الأجل القصير، عن متاع الغرور الّذي الى الفناء يصير، ونظروا الى آخر الدنيا ولم ينظروا الى أولها، ونظروا الى عاقبة مرارتها ولم ينظروا الى عاجلة حلاوتها ثم الزموا أنفسهم الصبر أنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحل الشبع منها الا في حال الضرورة اليها، فأكلوا منها بقدر ما يرد النفس ويقي الروح. ومكن اليوم [٢] ، وجعلوها بمنزلة الجيفة التي قد اشتد نتن ريحها فكل من مر بها أمسك على انفه منها، فهم يصيبون منها لحال الضر ولا ينتهون منها الى الشبع من النتن، فقرنت [٣] عنهم وكانت هذه منزلتها من أنفسهم، فهم يعجبون من الآكل منها شبعا، والمتلذذ بها أشرا. ويقولون في أنفسهم أما ترى هؤلاء لا يخافون من الأكل، أما يجدون ريح النتن؟ وهي والله يا أخي في العاقبة والآجلة أنتن من الجيفة المرصوفة، غير أن أقواما استعجلوا الصبر فلا يجدون ريح النتن، والّذي نشأ في ريح الإهاب النتن لا يجد نتنه، ولا يجد من ريحه ما يؤذي المارة والجالس عنده [٤] ، وقد يكفي العاقل منها انه من مات عنها وترك مالا كثيرا سره أنه كان فيها فقيرا، أو شريفا أنه كان فيها وضيعا، أو كان فيها معافى سره انه كان فيها مبتلى، أو كان مسلطنا سره انه كان فيها سوقة. وان فارقتها سرك انك كنت أوضع أهلها منعة، وأشدهم فيها فاقة، أليس ذلك الدليل على خزيها لمن يعقل أمرها.

والله لو كانت الدنيا من أراد منها شيئا وجده الى جنبه من غير طلب ولا نصب غير انه إذا أخذ منها شيئا لزمته حقوق الله فيه وسأله عنه ووقفه


[١] كذا في الأصل ولعلها العبر [بالباء الموحدة] .
[٢] كذا في الأصل ولعلها: ويسكن القرم.
[٣] قوله فقرنت عنهم. لعلها: فغربت عنهم.
[٤] هنا آخر النقص في المختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>