للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حسابه لكان ينبغي للعاقل أن لا يأخذ منها الا قدر قوته وما يكفي، حذر السؤال وكراهية لشدة الحساب. وانما الدنيا إذا فكرت فيها ثلاثة أيام، يوم [مضى] لا ترجوه، ويوم أنت فيه ينبغي لك ان تغتنمه، ويوم [يأتي] لا تدري أنت من اهله أم لا؟ ولا تدري لعلك تموت قبله. فأما أمس فحكيم مؤدب، وأما اليوم فصديق مودع، غير أن أمس وان كان [قد] فجعك بنفسه فقد ابقى في يديك حكمته، وان كنت قد أضعته فقد جاءك خلف منه وقد كان عنك طويل الغيبة وهو الآن عنك سريع الرحلة، وغدا أيضا في يديك منه أمله. فخذ الثقة بالعمل، واترك الغرور بالأمل قبل حلول الأجل وإياك ان تدخل على اليوم هم غد أو هم بعده- زدت في حزنك وتعبك وأردت ان تجمع في يومك ما يكفيك أيامك، هيهات كثر الشغل وزاد الحزن وعظم التعب وأضاع العبد العمل بالأمل. ولو ان الأمل في غدك خرج من قلبك أحسنت اليوم في عملك، واقتصرت لهم يومك، غير ان الأمل فيك في الغد دعاك الى التفريط، ودعاك الى المزيد في الطلب، ولئن شئت واقتصرت لأصفن لك الدنيا ساعة بين ساعتين، ساعة ماضية، وساعة آتية، وساعة أنت فيها. فأما الماضية والباقية فليس تجد لراحتهما لذة، ولا لبلائها ألما. وانما الدنيا ساعة أنت فيها فخدعتك تلك الساعة عن الجنة وصيرتك الى النار وانما اليوم ان عقلت ضيف نزل بك وهو مرتحل عنك، فأن أحسنت نزله وقراه شهد لك واثنى عليك بذلك وصدق فيك، وان أسأت ضيافته ولم تحسن قراه جال في عينيك.

وهما يومان بمنزلة الأخوين نزل بك أحدهما فأسأت اليه ولم تحسن قراه فيما بينك وبينه، فجاءك الآخر بعده فقال اني قد جئتك بعد أخي فأن إحسانك الى يمحو إساءتك اليه، ويغفر لك ما صنعت فدونك إذ نزلت بك وجئتك بعد أخي المرتحل عنك فلقد ظفرت بخلف منه ان عقلت، فدارك

<<  <  ج: ص:  >  >>