لكثرة ما شاهدوا وذاقوا من الجرح والقتل، وبقي في الخندق خلق عظيم وقع فيهم السيف وعجل الله بأرواحهم إلى النار، ولما رأى المسلمون ما نزل بالعدو من الخذلان والهزيمة هجموا على كبشهم فألقوا فيه النار والنفط وتمكّنوا من حريقه فأحرقوه حريقاً شنيعاً، وظهرت له لهبة عظيمة نحو السماء، وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل. والشكر للقوي الجليل. وسرت نار الكبش بقوّتها إلى السنور فاحترق، وعلق المسلمون في الكبش الكلاليب الحديدية المصنوعة في السلاسل فسحبوه وهو يشتعل حتى حصلوه عندهم في البلد وكان مركباً من آلات هائلة عظيمة ألقى الماء عليه حتى برد حديده بعد أيام. وبلغنا من اليزك أن وزن ما كان عليه من الحديد يبلغ مائة قنطار بالشامي، والقنطار مائة رطل، والرطل الشامي بالبغدادي أربعة أرطال وربع رطل. ولقد أنفذ رأسه إلى السلطان ومثل بين يديه، وشاهدته وقلبته، وشكله على مثل السفود الذي يكون بحجر المدار، قيل أنه ينطح به فيهدم ما يلاقيه. وكان ذلك من أحسن أيام الإسلام، ووقع على العدو خذلان عظيم، ورفعوا ما سلم من آلاتهم، وسكنت حركاتهم التي ضيعوا فيها نفقاتهم وتحيرت أبصار حيلهم، واستبشر السلطان بغرة ولده واستبارك بها حيث وجد النصر مقروناً بقدومه مرّة بعد أخرى، وثانية بعد أولى.