أموالهم، وكان السعيد منهم من نجا بنفسه، وجمع العدو ما أمكنهم جمعه من الخيل والبغال والجمال والأقمشة وسائر أنواع الأموال، وكلف الجمالين خدمة الجمال والخربندية خدمة البغال والساسة خدمة الخيل وسار في جحفل من الغنية يطلب عسكره، فنزل على الخويلفة فاستقى منها، ثم سار حتى أتى الحسي. ولقد حكى لي من كان أسيراً معهم في تلك الليلة وقع فيهم الصوت أن عسكر السلطان قد قصدهم فتركوا الغنيمة وانهزموا وبعدوا عنها زمانا ولما انكشف لهم أن العسكر لم يلحقهم عادوا إلى الرحل وهرب في تلك الغيبة جمع من أسارى المسلمين وكان الحاكي منهم فسألته بكم حزرتم الجمال والخيل؟ فاخبر أن الجمال تناهز ثلاثة آلاف والأسارى خمسمائة وتقرب من ذلك عدة الخيل.
وكانت هذه الوقعة صبيحة الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة، ووصل الخبر إلى السلطان في عشية ذلك اليوم بعد العشاء الآخرة، وكنت جالساً في خدمتهن وأوصل الخبر شاب من الإصطبلية، فما مرّ بالسلطان خبر أنكى منه في قلبه ولا أكثر تشويشاً لباطنه، وأخذت في تسكينه وتسليته وهو لا يكاد يقبل التسلية.
وكان أصل هذه القضية أن الأمير أسلم أشار عليهم أن يصعدوا الجبل فلم يفعلوا، فصعد هو وأصحابه، فلما وقعت الكبسة كان هو على الجبل فلم يصل إليه أحد من العدو ولم يشعروا به. ولما انهزم المسلمون تبعتهم خيالة الإفرنج وأقام الرجالة منهم يستولون على ما تخلّف من المسلمين من الأقمشة، ولما تحقق الأمير أسلم أن الخيالة قد بعدت عن الرجالة نزل إليهم بمن معه من الخيالة وكبسهم من حيث لم يشعروا وقتلوا منهم جماعة وغنموا منهم دواب من جملتها بغلة كانت تحت هذا القاصد. ثم سار العدو يطلب خيامه فكان وصوله إلى المخيم يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة، وكان يوماً عظيماً عندهم أظهروا فيه من السرور وأسبابه ما لا يمكن وصفه،