ولقد مرض رحمه الله ونحن على الخرنوبة وكان قد تأخر عن تل الحجل بسبب مرضه فبلغ الإفرنج فخرجوا طمعاً في أن ينالوا شيئاً من المسلمين وهي نوبة النهر فخرجوا في مرحلة الآبار التي تحت التل فأمر رحمه الله بالثقل حتى يتجهز بالرحيل والتأخر عن جهة الناصرة. وكان عماد الدين صاحب سنجار متمرضاً أيضاً فأذن له أن يتأخر مع الثقل وأقام هو ثم رحل العدو في اليوم الثاني بطلبنا فركب على مضض ورتب العسكر للقاء القوم تعبية الحرب وجعل طرف الميمنة الملك العادل وطرف الميسرة تقي الدين وجعل ولده الملك الظاهر والملك الأفضل عز نصرهما في القلب ونزل هو وراء القوم يطلبهم وأول ما نزل من التل أحضر بين يديه أفرنجي قد أسر من القوم فأمر بضرب عنقه بين يديه بعد عرض الإسلام عليه وإبائه عنه وكلما سار العدو يطلب رأس النهر سار هو مستديراً إلى ورائهم حتى يقطع بينهم وبين خيامهم وهو يسير ساعة ثم ينزل يستريح ويتظلل بمنديل على رأسه من شدة وقع الشمس ولا ينصب له خيمة حتى لا يرى العدو ضعفاً ولم يزل كذلك حتى نزل العدو برأس النهر ونزل هو قبالتهم على تل مطل عليهم إلى أن دخل الليل ثم أمر العساكر المنصورة إن عادت إلى محل المصابرة وأن يبيتوا تحت السلاح وتأخر هو ونحن في خدمته إلى قمة الجبل فضربت له خيمة لطيفة وبتنا تلك الليلة أجمع أنا والطبيب نمرضه ونشاغله وهو ينام تارة ويستيقظ أخرى حتى لاح الصباح ثم ضرب البوق وركب هو وركبت العساكر وأحدقت بالعدو ورحل العدو عائداً إلى