خيامهم من الجانب الغربي من النهر وضايقهم المسلمون في ذلك اليوم مضايقة شنيعة وفي ذلك اليوم قدم أولاده بين يديه احتساباً وجميع من حضر منهم ولم يزل يبعث من عنده حتى لم يبق عنده إلا أنا والطبيب وعارض الجيش والغلمان بأيديهم الأعلام والبيارق لا غير فيظن الرائي لها عن بعد أن تحتها خلقاً عظيماً ولم يزل العدو سائراً والقتل يعمل فيهم وكلما قتل منهم شخص دفنوه وكلما جرح منهم رجل حملوه حتى لا يبقى بعدهم من يعلم قتله وجرحه وهم سائرون ونحن نشاهدهم حتى اشتد بهم الأمر ونزلوا عند الجسر وكان الإفرنج متى نزلوا إلى الأرض آيس المسلمون من بلوغ غرض منهم لأنهم يجتمعون في حالة النزول جماعة عظيمة وبقي رحمه الله في موضعه العساكر على ظهور الخيل قبالة العدو إلى آخر النهار ثم أمرهم أن يبيتوا على مثل ما باتوا عليه بارحتهم وعدنا إلى منزلنا في الليلة الماضية وعاد العسكر في الصباح إلى ما كان عليه بالأمس من مضايقة العدو ورحل العدو وسار على ما مضى من القتل والقتال حتى دنا إلى خيامه وخرج إليه منها من أنجده حتى وصلوا إلى خيامهم.
فانظر إلى هذا الصبر والاحتساب وإلى أي غاية بلغ هذا الرجل. اللهم إنك ألهمته الصبر والاحتساب ووفقته فلا تحرمه ثوابه يا أرحم الراحمين.