برزية ورتب عسكره ثلاثة أقسام وداومها بالزحف وملكها بالسيف في السابع والعشرين من جمادى الآخرة وسبى وأسر وقتل أهلها. قال مؤلف الكامل ابن الأثير كنت مع السلطان في مسيره وفتحه هذه البلاد طالباً للغزاة فأحكي ذلك عن مشاهدة ثم سار السلطان فنزل على جسر الحديد وهو على العاصي بالقرب من أنطاكية فأقام عليه أياماً حتى تلاحق به من تأخر من العسكر ثم سار إلى دربساك ونزل عليها ثامن رجب وحاصرها وضايقها وتسلمها بالأمان على شرط أن لا يخرج منها أحد إلا بثيابه فقط وتسلمها تاسع عشر رجب. ثم سار عن دربساك إلى بغراس فحصرها وتسلمها بالأمان على حكم أمان دربساك وأرسل بيمند صاحب أنطاكية إلى السلطان يطلب منه الهدنة والصلح وبذل إطلاق كل أسير عنده فأجاب السلطان إلى ذلك واصطلحوا ثمانية أشهر وكان صاحب أنطاكية حينئذ أعظم ملوك الإفرنج في هذه البلاد فإن أهل طرابلس سلموا إليه طرابلس.
ولما فرغ السلطان من أمر هذه البلاد والهدنة سار إلى حلب ثالث شعبان وسار منها إلى دمشق وأعطى عماد الدين زنكي دستوراً وكذلك أعطى غيره من العساكر الشرقية وجعل طريقة لما رحل من حلب على قبر عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فزاره وزار الشيخ الصالح أبا زكريا المغربي وكان مقيماً هناك وكان من عباد الله تعالى الصالحين وله كرامات ظاهرة. وكان مع السلطان أبو فليتة الأمير قاسم بن مهنا الحسيني صاحب مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وشهد معه مشاهده وفتوحاته وكان السلطان يتبرك برؤيته ويتيمن بصحبته ويرجع إلى قوله ودخل السلطان دمشق في شهر رمضان المعظم فأشير عليه بتفريق العساكر ليريحوا ويستريحوا فقال السلطان إن العمر قصير والأجل غير مأمون وكان السلطان لما سار إلى البلاد الشمالية قد جعل على الكرك وغيرها من يحاصرها وخلى أخاه العادل في تلك الجهات يباشر ذلك فأرسل أهل الكرك يطلبون الأمان فأمر الملك العادل المباشرين لحصارها بتسلمها فتسلموا الكرك والشوبك وما بتلك الجهات من البلاد.