للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خامساً: قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: " هذه الفضائل التي جاءت عن النبي : (من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له … ) وما شاكلها إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال والطهارة من الجرائم العظام، ولا يظن أن من فعل هذا وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلحق بالسابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقى، ولا إخلاص، ولا عمل، ما أظلمه لنفسه من يتأول دين الله على هواه" (١).

سادساً: ومما يدل على سعة مفهوم الذكر: تنوعه وشموله لكل تصرفات العبد، وأحواله في يومه وليلته، من حين يستيقظ إلى أن ينام، ولذا سميت الكتب التي جمعت تلك الأذكار بعمل اليوم والليلة، كما في كتاب عمل اليوم والليلة للنسائي، وكذلك عمل اليوم والليلة لابن السني.

وقال تعالى عن عباده المؤمنين في كثرتهم ذكرهم لله على كل أحوالهم: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١] والآيات بعدها.

وفي هذه الآية بيان لحال هؤلاء الصادقين في حبهم لله بكثرة ذكره لله على كل أحوالهم، فقد انصبغت حياتهم بالذكر على كل الأحوال قياماً، وقعوداً، وعلى جنوبهم من حين أستيقاظهم إلى عودتهم إلى النوم مرة أخرى، وهذه الهيئات لا يخرج عنها حال الإنسان في حال يقظته إما قائم، وإما قاعد، وإما على جنب، وهكذا كان النبي كما تصفه عائشة الله عنها، فتقول: «كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» (٢).


(١) شرح صحيح البخاري - ابن بطال (١٠/ ١٣٤).
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٢٨٢) ح (٣٧٣).

<<  <   >  >>