للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن قدامة : "علامة المحبّة كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التّنعّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كلّ ما ينقض عليه الخلوة، ومتى غلب الحبّ والأنس صارت الخلوة والمناجاة قرّة عين تدفع جميع الهموم، بل يستغرق الحبّ والأنس قلبه" (١).

رابعاً: أثر المحبة على عبادة الذكر والدعاء.

من أعظم العلامات الدالة على صدق محبة العبد لربه كثرة ذكره ودعائه، وقال تعالى عن المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥]، ثم ذكر حالهم -مع ذكره ودعائه لشدة محبتهم له- بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١].

وقال تعالى عنهم في كثرة ذكرهم لله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥].

تلذذ القلب بكثرة تلاوة كلام الله تعالى، كما قال عثمان بن عفان : "لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله" (٢)، وقال بعض من ذاقوا ذلك: "كيف يشبعون من كلام محبوبهم وهو غاية مطلوبهم" (٣).

حب مناجاة الله بكثرة ذكره ودعائه والخلوة به، والقيام بين يديه في ظلمة الليل، والتلذذ بذلك.

قال أبو سليمان الداراني : " أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء" (٤).

كلما قويت محبة العبد لربه ذاق حلاوة الطاعات من ذكر وصلاة وتلاوة ودعاء، وإذا ضعفت أغلق على قلبه الباب وحيل بينه وبين لذة الطاعة، كما يقول الحسن البصري : «تفقدوا


(١) مختصر منهاج القاصدين (٣٥١).
(٢) ينظر: حلية الأولياء (٧/ ٢٧٢، ٣٠٠).
(٣) نقله ابن القيم عن بعض العارفين، ينظر: مدارج السالكين (٣/ ٢٩١).
(٤) تاريخ دمشق لابن عساكر (٣٤/ ١٤٦).

<<  <   >  >>