للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» (١).

دل الحديث على فضيلة الصبر ومكانته العظيمة، ومن يعالج نفسه على الصبر ويعودها عليه، فإن الله يمكنه من نفسه حتى تنقاد له، وأن الصبر أفضل ما يعطاه المرء لكونه غيرَ محدودٍ جزاؤُه، فيوفيه الله أجره بغير حساب (٢)، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: ١٠].

ثالثاً: أثر الصبر على عبادة الذكر والدعاء.

قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ٤٨ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور: ٤٨ - ٤٩].

قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: "ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان أقوال المكذبين، أمر رسوله أن لا يعبأ بهم شيئا، وأن يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه، ووعده الله بالكفاية بقوله: ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ أي: بمرأى منا وحفظ، واعتناء بأمرك، وأمره أن يستعين على الصبر بالذكر والعبادة، فقال: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أي: من الليل.

ففيه الأمر بقيام الليل، أو حين تقوم إلى الصلوات الخمس، بدليل قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ أي: آخر الليل، ويدخل فيه صلاة الفجر، والله أعلم" (٣).

إذن هناك ارتباط وثيق بين الصبر والذكر والدعاء، فكل منهم يعين على الآخر، فالذكر والدعاء يعين على الصبر، والصبر أكبر معين للعبد على كثرة الذكر والدعاء، والله أعلم.


(١) أخرجه البخاري (٢/ ١٢٢) ح (١٤٦٩)، ومسلم (٢/ ٧٢٩) ح (١٠٥٣).
(٢) ينظر: فتح الباري لابن حجر (١١/ ٣٠٤).
(٣) تفسير السعدي (٨١٨).

<<  <   >  >>