للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: يطرد الشيطان ويقمعه، ويكون العبد في حصن حصين منه.]

وهذه من أعظم فوائد الذكر، فإن الذاكر لله تعالى في حصن حصين من الشيطان، قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ٣٦ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٦ - ٣٧].

وقال : «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ» (١).

ويقول ابن القيم معلقاً على هذا الحديث: " فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لَهِجًا بذكره؛ فإنّه لا يُحْرِزُ نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يَدْخُل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يَرْصُدُه، فإذا غفل وثَبَ عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع، حتى يكون كالوصْع (٢) وكالذباب، ولهذا سُمِّي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور؛ فإذا ذُكِر الله تعالى خَنَس، أي: كف وانقبض.

وقال ابن عباس: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفلَ وَسْوَسَ، فإذا ذكر الله تعالى خَنَس" (٣) " (٤).


(١) أخرجه أحمد (٢٨/ ٤٠٤ ط الرسالة) ح (١٧١٧٠)، والترمذي واللفظ له (٥/ ١٤٨ ت شاكر) ح (٢٨٦٣) وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب"، وأبو يعلى (٣/ ١٤٠ ت حسين أسد) ح (١٥٧١)، وابن خزيمة ط ٣ (٢/ ٩١٤) ح (١٨٩٥)، والحاكم - ط العلمية (١/ ٥٨٢) ح (١٥٣٤) وصححه وأقره الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ٣٥٨) ح (٥٥٢)، وقال محقق المسند: "حديث صحيح".
(٢) طائر أصغر من العصفور. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ١٩١) مادة (وصع).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (٧/ ١٣٥ ت الحوت) رقم الأثر (٣٤٧٧٤)، الأحاديث المختارة (١٠/ ٣٦٧) رقمه (٣٩٣).
(٤) الوابل الصيب - ط عطاءات العلم (١/ ٨٣).

<<  <   >  >>