للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه، ألا ترى إلى قوله: فمن كان من أهل الصلاة، يريد من أكثر منها فنسب إليها؛ لأن الجميع من أهل الصلاة، وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام على هذا المعنى ونسب إليه، دعي من بابه ذلك، والله أعلم.

ومما يشبه ما ذكرنا ما جاوب به مالك العُمري العابد، وذلك أن عبد الله بن عبد العزيز العُمري العابد كتب إلى مالك يحضّه إلى الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم، فكتب إليه مالك: إن الله ﷿ قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم له والسلام.

هذا معنى كلام مالك لأني كتبته من حفظي، وسقط عني في حين كتابتي أصلي منه" (١).

[المسألة الثانية: سعة مفهوم الذكر الشرعي.]

وهذه المسألة العظيمة ألخصها في الآتي:

أولاً: الحكمة من خلق الإنس والجن هي القيام بعبادة الله تعالى، كما قال : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، أي لتكون حياتهم كلها عبادة لله تعالى، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٦٢ لَا شَرِيكَ لَهُ﴾ [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣]، والذكر هو روح العبادة فلا قيمة لها إلا به، ولذا هو يشمل كل الحياة، كما أن العبادة تشمل كل حياة الإنسان وكل أحواله.

ثانياً: أن جميع العبادات إنما شرعت لإقامة ذكر الله تعالى، قال سبحانه في بيان ذلك في أعظم وأشرف العبادات بعد التوحيد: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤] أي صلِّ لتذكرني وهو


(١) التمهيد (٧/ ١٨٤ - ١٨٥).

<<  <   >  >>