للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى باب الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً، ولا مقاماً، ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمن بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف، والإفلاس المحض، دخول من قد كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه ﷿ وكمال فاقته وفقره إليه، وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة، وضرورة كاملة إلى ربه ، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك، وخسر خسارة لا تجبر؛ إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمته" (١).

[١١ - عدم تكلف السجع في الدعاء.]

الدعاء عبادة لها تعلق وثيق بالقلب، وتكلف السجع في ذلك يخرجها إلى الاهتمام بالجانب اللفظي على حساب حضور القلب، فيفقد الدعاء أثره، ويصرفه عن مقصده إلى ألفاظ مسجوعة متكلفة بعيدة عن تعلق القلب بالله، ولذا جاء النهي عن ذلك، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ،» يَعْنِي: لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ (٢).

قال النووي : "ولا يتكلَّفُ السجعَ في الدعاء، فإنّه يُشغل القلبَ، ويُذهبُ الانكسار، والخضوعَ، والافتقار، والمسكنة والذلّة، والخشوع" (٣).


(١) الوابل الصيب - ط عطاءات العلم (١/ ١٠ - ١٢).
(٢) أخرجه البخاري (٨/ ٧٤ ط السلطانية) ح (٦٣٣٧).
(٣) الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص ١٩٨).

<<  <   >  >>