للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (١).

يقول ابن القيم : "فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق: أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان: أن يكلك الله تعالى إلى نفسك.

فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجأ إلى الله تعالى، والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه، وجهلها، وظلمها، وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده، وبره، وغناه، وحمده.

فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين، لا يمكنه أن يسير إلا بهما، فمتى فاته واحد منهما، فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.

قال شيخ الإسلام (٢): "العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل".

وهذا معنى قوله في الحديث الصحيح، حديث " «سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ".

فجمع في قوله : " أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي" بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل.

فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان.

ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار، والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً.


(١) أخرجه البخاري (٨/ ٦٧ ط السلطانية) ح (٦٣٠٦).
(٢) قال محقق الكتاب الوابل الصيب يقصد شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي وليس ابن تيمية. ينظر حاشية الوابل الصيب (١٠ - ١١)

<<  <   >  >>