للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: حصول الرياء والسمعة والعجب.]

إذا ضعف عمل القلب من الإخلاص والصدق ومراقبة الله في السر والعلن دبت أمراض القلوب المفسدة للعبادة والمؤدية إلى وقوع العبد في أمراض الرياء والسمعة والعجب، بسبب تعلق القلب بغير الله، ونحو ذلك من أمراض القلوب، ومظاهر ذلك كثيرة منها على سبيل المثال:

١ - أنه يريد بعمله من ذكر ودعاء مدح الناس وثناؤهم عليه.

٢ - كثرة ذكره ودعائه إذا علم أن الناس يرونه، وهو بخلاف ذلك إذا علم أنه لا يراه أحد.

٣ - يحرص على أذكار وأدعية مبتدعة لم ترد في الكتاب والسنة من أجل التقرب من الناس كمثل مشايخ الطرق الصوفية، فإن من يتبعهم يردد ما يعلمونه من أذكار مبتدعة لأجل إرضائهم، وهو يعلم أن فيها مخالفة للسنة، وهكذا أصحاب البدع يرهبون اتباعهم حتى لا يفارقوا طريقهم.

ومن أعظم ما يخيف المؤمن من هذه الآفات ما يحدث من خطر عظيم على من يقع فيها وما يحدث له يوم القيامة من موقف مخيف تنخلع منه القلوب من شدة هوله، وتأمل معي في هذا الحديث العظيم الذي ينقل هذا المشهد من يوم القيامة، هذا المشهد الذي أبكى الصالحين بكاء عظيماً وهم قد بلغوا في الصلاح مبلغاً عظيماً من أصحاب النبي بكى منه أبو هريرة واغمي عليه، وبكى منه معاوية بكاء شديداً، فكيف بمن عداهم؟ دَخَلَ شُفيٌ الأصبحي المَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِحَقٍّ وَبِحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثْنَا قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ فَقَالَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ مَا

<<  <   >  >>