للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني عشر: الثبات في المعركة والنصر والتأييد (١).

لقد جاءت النصوص الكثيرة في بيان أن كثرة الذكر والتضرع إلى الله؛ من أعظم أسباب النصر والتأييد والتمكين والثبات في المعارك، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: ٤٥].

وقال تعالى يصف دعاء المؤمنين في يوم بدر: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩].

لقد كانت مشاعر المؤمنين قبل المعركة متوجهة إلى مالك النصر في لهفة واضطرار تطلب الغوث منه والنجدة، بنصر من عنده، فكان المدد بالملائكة والنصر من الله - سبحانه -، واستجابة الدعاء من الله، حتى لقد علم المؤمنون أنهم إنما نصروا بنصر الله، لا بعددهم ولا بسالتهم، ووصلوا إلى النصر بسهولة ودون عظيم خسارة هناك.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: ١٢٣].

أما الحال في حنين، فيصوره القرآن كذلك ويذكر حال الجماعة المؤمنة، فلا يذكر عنهم أنهم تضرعوا ولا دعوا، فقلت لديهم الضراعة، بل اضمحلت فيهم اضمحلالًا ظاهرًا، بل بالعكس وقع في النفوس العجب بكثرة العدد والركون إليها والتعويل عليها، وهنا يأتي سياق القرآن بذكر ما استكن في قلوب المؤمنين وهم يسيرون إلى عدوهم فلا يذكر إقبالًا على دعاء الله منها، ولا طلب نصر منه، ولا استغاثة بربهم كما كان الحال في بدر، بل يذكر ما استكن فيها من العجب بالكثرة والالتفات إليها أكثر من الالتفات إلى دعاء واهب النصر، حتى كانت الكلمة الرائجة في الجيش "لن نغلب اليوم عن قلة" (٢)، فكانت الهزيمة الفاضحة في أول الأمر حتى أثبتت للمؤمنين أن الاعتماد يجب أن لا ينصرف إلى كثرة عدد ولا قوة مدد، ولا وفرة العتاد


(١) ينظر: عوامل النصر والتمكين في دعوات المرسلين (ص ١٧١ - ١٧٥ بترقيم الشاملة آليا).
(٢) ينظر: تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (١١/ ٣٩٠).

<<  <   >  >>