للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى في أول صفات المخبتين: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ٣٤ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج: ٣٤ - ٣٥] الآية.

والمخبت: الخاضع لربه، المستسلم لأمره، المتواضع لعباده، ومن أول صفاته أنه إذا ذكر الله وجل قلبه بمعنى خاف من الله تعظيماً له، فترك لذلك المحرمات لخوفه ووجله من الله وحده (١).

[المطلب الحادي عشر: الثقة بالله وحسن الظن به.]

ومن أقبل على ذكر الله ودعائه بقلب حاضر قويت ثقته بالله، وتعلق قلبه به، وحَسُنَ ظنه بربه ، وقد وربط الله بين حسن الظن به والذكر والدعاء، فقَالَ النَّبِيُّ : "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي .. " الحديث.

ويقولُ رَسُولُ اللهِ : «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي».

وقال تعالى عن قربه من عبده إذا دعاه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦].

ومما يدل على أهمية حسن الظن بالله وعظيم الثقة به، أن يعزم العبد في دعائه ويلح على ربه ويعظم الرغبة مع حضور القلب واستشعار عظمة الله وقدرته على كل شيء وأنه لا يعجزه شيء ، قال : «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» (٢).

وقال : «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ» (٣).

وهذه المعاني العظيمة التي يدل عليها الحديث، تقوي ثقة العبد بربه وحسن ظنه به، فيتعلق قلبه به، ولا يلتفت إلى أحد غيره في الرغبة والرهبة.


(١) ينظر: تفسير السعدي (٥٣٨).
(٢) أخرجه البخاري واللفظ له (٨/ ٧٤ ط السلطانية) ح (٦٣٣٩)، ومسلم (٨/ ٦٤ ط التركية) ح (٢٦٧٩).
(٣) أخرجه مسلم (٨/ ٦٤ ط التركية) ح (٢٦٧٩).

<<  <   >  >>