للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحين يكثر العبد من الذكر والدعاء مع صفاء التوحيد ونقائه، يجد العبد المؤمن لذة وحلاوة في قلبه، وانشراحاً في صدره، وهي جنة المؤمن المعجلة قبل جنة الآخرة التي تجعله يتشوق إلى الآخرة ويلتذ بذكره لله تعالى.

يحصل لصاحب التوحيد الهدى والكمال والأمن التّامّ في الدّنيا والآخرة.

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢]. قال ابن كثير "أي: هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة" (١)، فبالتوحيد يحصل الأمن والاهتداء التام في الدنيا والآخرة، وبالشرك تصرف الهداية عن العبد، ويذهب الأمن ويحصل الخلل فيه في الدنيا وفي الآخرة، وبالتوحيد يجد العبد المؤمن الذاكر لله كثيراً والذي تعلق قلبه بربه فلا يدعو أحداً سواه ولا يلتجئ إلى غيره، ويثمر ذلك أيضاً الهداية التامة والأمن التام في الدنيا والآخرة، فينجيه الله من الكربات والمضائق والشدائد في دنياه وأخراه.

التوحيد مع اعتراف العبد بظلمه وذنبه من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم، وأبلغ الوسائل إلى الله في قضاء الحوائج، ولذا جاء عن النبي في دعوة ذي النون قوله: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» (٢).

يقول ابن القيم : "وأما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للرب تعالى واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهم والغم، وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه في قضاء الحوائج" (٣).


(١) تفسير ابن كثير (٣/ ٢٩٤).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٦٥) ح (١٤٦٢)، والترمذي (٥/ ٥٢٩) ح (٣٥٠٥)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٦٣٧) ح (٤١٢١)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٦٣٧) ح (٣٣٨٣).
(٣) زاد المعاد (٤/ ١٩٠).

<<  <   >  >>