للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على المكانة العظيمة للتوبة: أمر الله بها، فقال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١].

وكذلك حين ننظر إلى حال القدوة ، وهو الذي قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع هذا يبذل جهدًا عظيمًا في كثرة الاستغفار والتوبة، فيقول أَبُو هُرَيْرَةَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» (١).

ويَقُولُ النَّبِيُّ : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ» (٢).

وذلك ما يجعلنا نسابق وننافس في هذا المضمار لنحصل على ثمرة التوبة والاستغفار في حياتنا، ونحمي أنفسنا من أسر قيود الذنوب التي يقيد الشيطان بها العبد ويستولي على قلبه، فينسيه ذكر الله، كما قال تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ﴾ [المجادلة: ١٩].

ومن رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب التوبة، فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ ﷿ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» (٣).

بل الأمر أعظم من ذلك، فالله يفرح بتوبة عبده فرحًا عظيمًا قرّبه النبي بمثال؛ ليظهر منه عظيم فرحة الرب بتوبة عبده.

يَقُولُ : «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى


(١) أخرجه البخاري (٨/ ٦٧) ح (٦٣٠٧).
(٢) أخرجه أحمد في المسند (٣٠/ ٢٢٦) ح (١٨٢٩٤)، والسنن الكبرى للنسائي (٩/ ١٦٨) ح (١٠٢٠٥)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٣/ ٤٣٥) ح (١٤٥٢)، وقال محقق المسند شعيب الأرناؤوط (٣٠/ ٢٢٦) ح (١٨٢٩٤): "حديث صحيح".
(٣) أخرجه مسلم (٤/ ٢١١٣) ح (٢٧٥٩).

<<  <   >  >>