للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتارة باختلاف الأمكنة: كما أن المشروع بعرفة ومزدلفة وعند الجمار وعند الصفا والمروة هو الذكر والدعاء دون الصلاة ونحوها، والطواف بالبيت للوارد أفضل من الصلاة، والصلاة للمقيمين بمكة أفضل.

وتارة باختلاف مرتبة جنس العبادة: فالجهاد للرجال أفضل من الحج وأما النساء فجهادهن الحج، والمرأة المتزوجة طاعتها لزوجها أفضل من طاعتها لأبويها؛ بخلاف الأيم فإنها مأمورة بطاعة أبويها.

وتارة يختلف باختلاف حال قدرة العبد وعجزه: فما يقدر عليه من العبادات أفضل في حقه مما يعجز عنه وإن كان جنس المعجوز عنه أفضل.

وهذا باب واسع يغلو فيه كثير من الناس ويتبعون أهواءهم، فإن من الناس من يرى أن العمل إذا كان أفضل في حقه لمناسبة له ولكونه أنفع لقلبه وأطوع لربه يريد أن يجعله أفضل لجميع الناس ويأمرهم بمثل ذلك، والله بعث محمداً بالكتاب والحكمة وجعله رحمة للعباد وهدياً لهم يأمر كل إنسان بما هو أصلح له، فعلى المسلم أن يكون ناصحاً للمسلمين يقصد لكل إنسان ما هو أصلح له.

وبهذا تبين لك أن من الناس من يكون تطوعه بالعلم أفضل له، ومنهم من يكون تطوعه بالجهاد أفضل، ومنهم من يكون تطوعه بالعبادات البدنية - كالصلاة والصيام - أفضل له.

والأفضل المطلق ما كان أشبه بحال النبي باطناً وظاهراً، فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد ، والله أعلم" أ. هـ. (١)

ومما يدل على أن الله يفتح لعبده ويوفقه لباب خير -وقل من يفتح له في أكثر من باب- ما ورد من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَيْءٍ (٢) مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الجَنَّةَ-: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ،


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٤٢٧ - ٤٢٩).
(٢) أي: شيئين من أصناف المال. ينظر: فتح الباري (٧/ ٢٨).

<<  <   >  >>